وعدل إلى استعمال جاهه وسلطانه في السحرة فتهددهم وتوعدهم وقال " آمنتم له " أي صدقتموه " قبل أن آذن لكم " أي وما أمرتكم بذلك وافيتم علي في ذلك وقال قولا يعلم هو والسحرة والخلق كلهم أنه بهت وكذب " إنه لكبيركم الذي علمكم السحر " أي أنتم إنما أخذتم السحر عن موسى واتفقتم أنتم وإياه علي وعلى رعيتي لتظهروه كما قال تعالى في الآية الأخرى " إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة لتخرجوا منها أهلها فسوف تعلمون " ثم أخذ يهددهم فقال " لاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم في جذوع النخل " أي لأجعلنكم مثلة ولأقتلنكم ولأشهرنكم قال ابن عباس فكان أول من فعل ذلك، رواه ابن أبي حاتم. وقوله " ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى أي أنتم تقولون إني وقومي على ضلالة وأنتم مع موسى وقومه على الهدى فسوف تعلمون من يكون له العذاب ويبقى فيه فلما صال عليهم بذلك وتوعدهم هانت عليهم أنفسهم في الله عز وجل و " قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات " أي لن نختارك على ما حصل لنا من الهدى واليقين " والذي فطرنا " يحتمل أن يكون قسما ويحتمل أن يكون معطوفا على البينات يعنون لا نختارك على فاطرنا وخالقنا الذي أنشأنا من العدم المبتدي خلقنا من الطين فهو المستحق للعبادة والخضوع لا أنت " فاقض ما أنت قاض " أي فافعل ما شئت وما وصلت إليه يدك " إنما تقضي هذه الحياة الدنيا " أي إنما لك تسلط في هذه الدار وهي دار الزوال ونحن قد رغبنا في دار القرار " إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا " أي ما كان منا من الآثام خصوصا ما أكرهتنا عليه من السحر لتعارض به آية الله تعالى ومعجزة نبيه. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي سعيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى " وما أكرهتنا عليه من السحر " قال أخذ فرعون أربعين غلاما من بني إسرائيل فأمر أن يعلموا السحر بالفرماء وقال علموهم تعليما لا يعلمه أحد في الأرض، قال ابن عباس فهم من الذين آمنوا بموسى وهم من الذين قالوا " آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر " وكذا قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وقوله " والله خير وأبقى " أي خير لنا منك " وأبقى " أي أدوم ثوابا مما كنت وعدتنا ومنيتنا وهو رواية عن ابن إسحاق رحمه الله، وقال محمد بن كعب القرظي " والله خير " أي لنا منك إن أطيع " وأبقى " أي منك عذابا إن عصي، وروى نحوه عن ابن إسحاق أيضا، والظاهر أن فرعون لعنه الله صمم على ذلك وفعله بهم رحمة لهم من الله ولهذا قال ابن عباس وغيره من السلف أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.
إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى (74) ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى (75) جنت عدن تجري من تحتها الانهر خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى (76) الظاهر من السياق أن هذا من تمام ما وعظ به السحرة لفرعون يحذرونه من نقمة الله وعذابه الدائم السرمدي ويرغبونه في ثوابه الأبدي المخلد فقالوا " إنه من يأت ربه مجرما " أي يلقى الله يوم القيامة وهو مجرم " فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيى " كقوله " لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور " وقال " ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى " وقال تعالى " ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون " وقال الإمام أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل أخبرنا سعيد بن يزيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن أناس تصيبهم النار بذنوبهم فتميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة جئ بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنها ر الجنة فيقال يا أهل الجنة أفيضوا عليهم فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل " فقال رجل من القوم كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية وهكذا أخرجه مسلم في كتابه الصحيح من رواية شعبة وبشر ابن المفضل كلاهما عن أبي سلمة سعيد بن يزيد به وقال ابن أبي حاتم ذكر عن عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد