نخرجكم تارة أخرى (55) ولقد أرينه آياتنا كلها فكذب وأبى (56) هذا من تمام كلام موسى فيما وصف به ربه عز وجل حين سأله فرعون عنه فقال " الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " ثم اعترض الكلام بين ذلك ثم قال " الذي جعل لكم الأرض مهدا " وفي قراءة بعضهم مهدا أي قرارا تستقرون عليها وتقومون وتنامون عليها وتسافرون على ظهرها " وسلك لكم فيها سبلا " أي جعل لكم طرقا تمشون في مناكبها كما قال تعالى " وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون " " وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى " أي من أنواع النباتات من زروع وثمار ومن حامض وحلو ومر وسائر الأنواع " كلوا وارعوا انعامكم " أي شئ لطعامكم وفاكهتكم وشئ لانعامكم لأقواتها خضرا ويبسا " إن في ذلك لآيات " أي لدلالات وحجج وبراهين " لاولي النهي " أي لذوي العقول السليمة المستقيمة على أنه لا إله إلا الله ولا رب سواه " منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " أي من الأرض مبدؤكم فإن أباكم آدم مخلوق من تراب من أديم الأرض وفيها نعيدكم أي وإليها تصيرون إذا متم وبليتم ومنها نخرجكم تارة أخرى " يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا " وهذه الآية كقوله تعالى " قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون " وفي الحديث الذي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حضر جنازة فلما دفن الميت أخذ قبضة من التراب فألقاها في القبر وقال منها خلقناكم ثم أخذ أخرى وقال وفيها نعيدكم ثم أخرى وقال ومنها نخرجكم تارة أخرى وقوله " ولقد أريناه آياتنا كلها فكذب وأبى " يعني فرعون أنه قامت عليه الحجج والآيات والدلالات وعاين ذلك وأبصره فكذب بها وأباها كفرا وعنادا وبغيا كما قال تعالى " وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا " الآية قال أجئتنا لتخرجنا من أرضنا بسحرك يا موسى (57) فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى (58) قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى (59) يقول تعالى مخبرا عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الآية الكبرى وهى إلقاء عصاه فصارت ثعبانا عظيما ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء فقال هذا سحر جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس فيتبعونك وتكاثرنا بهم ولا يتم هذا معك فإن عندنا سحرا مثل سحرك فلا يغرنك ما أنت فيه " فاجعل بيننا وبينك موعدا " أي يوما نجتمع نحن وأنت فيه فنعارض ما جئت به بما عندك من السحر في مكان معين ووقت معين فعند ذلك " قال " لهم موسى " موعدكم يوم الزينة " وهو يوم عيدهم وتفرغهم من أعمالهم واجتماع جميعهم ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء ومعجزات الأنبياء وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية ولهذا قال " وأن يحشر الناس " أي جميعهم " ضحى " أي ضحوة من النهار ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح، وهكذا شأن الأنبياء كل أمرهم بين واضح ليس فيه خفاء ولا ترويج ولهذا لم يقل ليلا ولكن نهارا ضحى قال ابن عباس وكان يوم الزينة يوم عاشوراء وقال السدي وقتادة وابن زيد كان يوم عيدهم وقال سعيد بن جبير كان يوم سوقهم ولا منافاة قلت وفي مثله أهلك الله فرعون وجنوده كما ثبت في الصحيح وقال وهب بن منبه قال فرعون يا موسى اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه قال موسى لم أؤمر بهذا إنما أمرت بمناجزتك إن أنت لم تخرج دخلت إليك فأوحى الله إلى موسى أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أن يجعل هو قال فرعون اجعله إلى أربعين يوما ففعل وقال مجاهد وقتادة مكانا سوى منصفا وقال السدي عدلا وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم مكانا سوى مستو بين الناس وما فيه لا يكون صوت ولا شئ يتغيب بعض ذلك عن بعض مستوحين يرى.
فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى (60) قال لهم موسى ويلكم لا تفتروا على الله كذبا فيسحتكم بعذاب وقد خاب من