يقول تعالى مخبرا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى عليه السلام أنهم قالوا لموسى " إما أن تلقي " أي أنت أولا " وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا " أي أنتم أولا لنرى ماذا تصنعون من السحر وليظهر للناس جلية أمرهم " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا " قالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون " وقال تعالى " سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم " وقال ههنا " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى " وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها وإنما كانت حيلة وكانوا جما غفيرا وجمعا كثيرا فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حياة يركب بعضها بعضا، وقوله " فأوجس في نفسه خيفة موسى " أي خاف على الناس أن يفتنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقى ما في يمينه، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن ألق ما في يمينك يعني عصاك فإذا هي تلقف ما صنعوا وذلك أنها صارت تنينا عظيما هائلا ذا قوائم وعنق ورأس وأضراس فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئا إلا تلقفته والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانا جهرة نهارا ضحوة فقامت المعجزة واتضح البرهان ووقع الحق وبطل السحر ولهذا قال تعالى " إنما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد حدثنا ابن معاذ - أحسبه الصائغ - عن الحسن عن جندب بن عبد الله البجلي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أخذتم - يعني الساحر - فاقتلوه ثم قرأ ولا يفلح الساحر حيث أتى قال لا يؤمن حيث وجد " وقد روى أصله الترمذي موقوفا ومرفوعا فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل وأنه حق لا مرية فيه ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشئ كن فيكون فعند ذلك وقعوا سجدا لله وقالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون ولهذا قال ابن عباس وعبيد بن عمير: كانوا أول النهار سحرة وفي آخر النهار شهداء بررة، وقال محمد بن كعب كانوا ثمانين ألفا وقال القاسم بن أبي بزة كانوا سبعين ألفا وقال السدي بضعة وثلاثين ألفا، وقال الثوري عن عبد العزيز بن رفيع عن أبي تمامة كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفا وقال محمد بن إسحاق كانوا خمسة عشرة ألفا وقال كعب الأحبار كانوا اثني عشر ألفا وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن علي ابن حمزة حدثنا علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس كانت السحرة سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء، قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا المسيب بن واضح بمكة حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي لما خر السحرة سجدا رفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها، قال وذكر عن سعيد ابن سلام حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سلمان عن سالم الأفطس عن سعيد بن جبير قوله " ألقي السحرة سجدا " قال رأوا منازلهم تبين لهم وهم في سجودهم وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة.
قال آمنتم قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ولأصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا وأبقى (71) قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا (72) إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطينا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى (73) يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون وعناده وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بزة.
يقول تعالى مخبرا عن كفر فرعون وعناده وبغيه ومكابرته الحق بالباطل حين رأى ما رأى من المعجزة الباهرة والآية العظيمة ورأى الذين قد استنصر بهم قد آمنوا بحضرة الناس كلهم وغلب كل الغلب شرع في المكابرة والبهت