ولهذا يقول " رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا " أي في الدنيا " قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى " أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها كذلك اليوم نعاملك معاملة من ينساك " فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا " فإن الجزاء من جنس العمل. فأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه فليس داخلا في هذا الوعيد الخاص وإن كان متوعدا عليه من جهة أخرى فإنه قد وردت السنة بالنهي الأكيد والوعيد الشديد في ذلك، قال الإمام أحمد حدثنا خلف بن الوليد حدثنا خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن رجل عن سعيد بن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ما من رجل قرأ القرآن فنسيه إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم " ثم رواه الإمام أحمد من حديث يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن فائد عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله سواء.
وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى (127) يقول تعالى وهكذا نجازي المسرفين المكذبين بآيات الله في الدنيا والآخرة " لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أشق وما لهم من الله من واق " ولهذا قال " ولعذاب الآخرة أشد وأبقى " أي أشد ألما من عذاب الدنيا وأدوم عليهم فهم مخلدون فيه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين " إن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ".
أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مسكنهم إن في ذلك لآيات لاولي النهى (128) ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى (129) فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى (130) يقول تعالى أفلم يهد لهؤلاء المكذبين بما جئتهم به يا محمد كم أهلكنا من الأمم المكذبين بالرسل قبلهم فبادوا فليس لهم باقية ولا عين ولا أثر كما يشاهدون ذلك من ديارهم الخالية التي خلفوهم فيها يمشون فيها " إن في ذلك لآيات لاولي النهى " أي العقول الصحيحة والالباب المستقيمة كما قال تعالى " أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " وقال في سورة ألم السجدة " أو لم يهد لهم كم أهلكنا من قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم " الآية ثم قال تعالى " ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى " أي لولا الكلمة السابقة من الله وهو أنه لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه والأجل المسمى الذي ضربه الله تعالى لهؤلاء المكذبين إلى مدة معينة لجاءهم العذاب بغتة ولهذا قال لنبيه مسليا له " فاصبر على ما يقولون " أي من تكذيبهم لك " وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس " يعني صلاة الفجر وقبل غروبها يعني صلاة العصر كما جاء في الصحيحين عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال " إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا " ثم قرأ هذه الآية، وقال الإمام أحمد حدثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن عمير عن عمارة بن رؤيبة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " رواه مسلم من حديث عبد الملك بن عمير به وفي المسند والسنن عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أدنى أهل الجنة منزلة من ينظر في ملكه مسيرة ألف سنة ينظر إلى أقصاه كما ينظر إلى أدناه وإن أعلاهم منزلة لمن ينظر إلى الله تعالى في اليوم مرتين " وقوله " ومن آناء الليل فسبح " أي من ساعاته فتهجد به وحمله بعضهم على المغرب والعشاء