معاوية وانطلق به إلى سعد بن مالك الزهري فقال له يا أبا إسحاق هل تذكر يوم حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتيل موسى الذي قتل من آل فرعون؟ الإسرائيلي الذي أفشى عليه أم الفرعوني؟ قال إنما أفشى عليه الفرعوني بما سمع من الإسرائيلي الذي شهد على ذلك وحضره وهكذا رواه النسائي في السنن الكبرى وأخرجه أبو جعفر بن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما كلهم من حديث يزيد بن هارون به وهو موقوف من كلام ابن عباس وليس فيه مرفوع إلا قليل منه وكأنه تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما مما أبيح نقله من الإسرائيليات عن كعب الأحبار أو غيره والله أعلم وسمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك أيضا، وقوله عز وجل:
واصطنعتك لنفسي (41) اذهب أنت وأخوك بآيتي ولا تنيا في ذكري (42) اذهبا إلى فرعون إنه طغى (43) فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى (44) يقول تعالى مخاطبا لموسى عليه السلام إنه لبث مقيما في أهل مدين فارا من فرعون وملئه يرعى على صهره حتى انتهت المدة وانقضى الاجل ثم جاء موافقا لقدر الله وإرادته من غير ميعاد والامر كله لله تبارك وتعالى وهو المسير عباده وخلقه فيما يشاء ولهذا قال " ثم جئت على قدر يا موسى " قال مجاهد أي على موعد، وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله " ثم جئت على قدر يا موسى " قال على قدر الرسالة والنبوة. وقوله " واصطنعتك لنفسي " أي اصطفيتك واجتبيتك رسولا لنفسي أي كما أريد وأشاء وقال البخاري عند تفسيرها حدثنا الصلت ابن محمد حدثنا مهدي بن ميمون حدثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " التقى آدم وموسى فقال موسى أنت الذي أشقيت الناس وأخرجتهم من الجنة؟ فقال آدم وأنت الذي اصطفاك الله برسالته واصطفاك لنفسه وأنزل عليك التوراة؟ قال نعم قال فوجدته مكتوبا علي قبل أن يخلقني قال نعم فحج آدم موسى " أخرجاه وقوله " اذهب أنت وأخوك بآياتي " أي بحججي وبراهيني ومعجزاتي " ولا تنأيا في ذكرى " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لا تبطئا، وقال مجاهد عن ابن عباس لا تضعفا والمراد أنهما لا يفتران في ذكر الله بل يذكران الله في حال مواجهة فرعون ليكون ذكر الله عونا لهما عليه وقوة لهما وسلطانا كاسرا له كما جاء في الحديث " إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو مناجز قرنه ". وقوله " اذهبا إلى فرعون إنه طغى " أي تمرد وعتا وتجبر على الله وعصاه " فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى " هذه الآية فيها عبرة عظيمة وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك ومع هذا أمر أن لا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين كما قال يزيد الرقاشي عند قوله " فقولا له قوله لينا ".
يا من يتحبب إلى من يعاديه فكيف بمن يتولاه ويناديه؟
وقال وهب بن منبه قولا له إني إلى العفو والمغفرة أقرب مني إلى الغضب والعقوبة وعن عكرمة في قوله " فقولا له قولا لينا " قال لا إله إلا الله، وقال عمرو بن عبيد عن الحسن البصري " فقولا له قولا لينا " اعذرا إليه قولا له إن لك ربا ولك معادا وأن بين يديك جنة ونارا، وقال بقية عن علي بن هارون عن رجل عن الضحاك بن مزاحم عن النزال بن سبرة عن علي في قوله " فقولا له قولا لينا " قال كنه وكذا روى عن سفيان الثوري كنه بأبي مرة والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع كما قال تعالى " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " وقوله " لعله يتذكر أو يخشى " أي لعله يرجع عما هو فيه من الضلال والهلكة أو يخشى أي يوجد طاعة من خشية ربه كما قال تعالى " لمن أراد أن يذكر أو يخشى " فالتذكر الرجوع عن المحذور والخشية تحصيل الطاعة، وقال الحسن البصري " لعله يتذكر أو يخشى " يقول: لا تقل أنت يا موسى وأخوك هارون أهلكه قبل أن أعذر إليه، وههنا نذكر شعر