يوم القيامة فإن الله سيؤدي كل حق إلى صاحبه حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء، وفي الحديث " يقول الله عز وجل وعزتي وجلالي لا يجاوزني اليوم ظلم ظالم " وفي الصحيح " إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة والخيبة كل الخيبة من لقي الله وهو به مشرك فإن الله تعالى يقول " إن الشرك لظلم عظيم " وقوله " ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما " لما ذكر الظالمين ووعيدهم ثنى بالمتقين وحكمهم وهو أنهم لا يظلمون ولا يهضمون أي لا يزاد في سيئاتهم ولا ينقص من حسناتهم قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك والحسن وقتادة وغير واحد فالظلم الزيادة بأن يحمل عليه ذنب غيره والهضم النقص.
وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا (113) فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرءان من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما (114) يقول تعالى ولما كان يوم المعاد والجزاء بالخير والشر واقع لا محالة أنزلنا القرآن بشيرا ونذيرا بلسان عربي مبين فصيح لا لبس فيه ولا عي " وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون " أي يتركون المآثم والمحارم والفواحش " أو يحدث لهم ذكرا " وهو إيجاد الطاعة وفعل القربات " فتعالى الله الملك الحق " أي تنزه وتقدس الملك الحق الذي هو حق ووعده حق ووعيده حق ورسله حق والجنة حق والنار حق وكل شئ منه حق وعدله تعالى أن لا يعذب أحدا قبل الانذار وبعثة الرسل والاعذار إلى خلقه لئلا يبقى لاحد حجة ولا شبهة وقوله " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " كقوله تعالى في سورة لا أقسم بيوم القيامة " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه " وثبت في الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعالج من الوحي شدة فكان مما يحرك به لسانه فأنزل الله هذه الآية يعني أنه كان إذا جاءه جبريل بالوحي كلما قال جبريل آية قالها معه من شدة حرصه على حفظ القرآن فأرشده الله تعالى إلى ما هو الأسهل والأخف في حقه لئلا يشق عليه فقال " لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه " أي أن نجمعه في صدرك ثم تقرأه على الناس من غير أن تنسى منه شيئا " فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه " وقال في هذه الآية " ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه " أي بل أنصت فإذا فرغ الملك من قراءته عليك فاقرأه بعده " وقل رب زدني علما " أي زدني منك علما، قال ابن عيينة رحمه الله ولم يزل صلى الله عليه وسلم في زيادة حتى توفاه الله عز وجل ولهذا جاء في الحديث " إن الله تابع الوحي على رسوله حتى كان الوحي أكثر ما كان يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقال ابن ماجة حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما والحمد لله على كل حال " وأخرجه الترمذي عن أبي كريب عن عبد الله بن نمير به وقال غريب من هذا الوجه، ورواه البزار عن عمرو بن علي الفلاس عن أبي عاصم عن موسى بن عبيدة به وزاد في آخره " وأعوذ بالله من حال أهل النار ".
ولقد عهدنا إلئ ادم من قبل فنسى ولم نجد له عزما (115) وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى (116) فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (117) إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى (118) وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى (119) فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوأتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى (121)