نفسي يقول لأنها لا تخفى من نفس الله أبدا وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس من نفسه وكذا قال مجاهد وأبو صالح ويحيى بن رافع وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " أكاد أخفيها " يقول لا أطلع عليها أحدا غيري وقال السدي ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا قد أخفى الله تعالى عنه علم الساعة وهي في قراءة ابن مسعود إني أكاد أخفيها من نفسي يقول كتمتها عن الخلائق حتى لو استطعت أن أكتمها من نفسي لفعلت. وقال قتادة أكاد أخفيها وهي في بعض القراءات أخفيها من نفسي ولعمري لقد أخفاها الله من الملائكة المقربين ومن الأنبياء والمرسلين قلت وهذا كقوله تعالى " قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله " وقال " ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة " أي ثقل علمها على أهل السماوات والأرض وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا منجاب حدثنا أبو نميلة حدثني محمد بن سهل الأسدي عن ورقاء قال أقرأنيها سعيد بن جبير أكاد أخفيها يعني بنصب الألف وخفض الفاء يقول أظهرها ثم قال أما سمعت قول الشاعر:
داب شهرين ثم شهرا دميكا بأربكين يخفيان غميرا قال السدي الغمير نبت رطب ينبت في خلال يبس والأربكين موضع والدميك الشهر التام وهذا الشعر لكعب ابن زهير. وقوله سبحانه وتعالى " لتجزى كل نفس بما تسعى " أي أقيمها لا محالة لأجزي كل عامل بعمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " " وإنما تجزون ما كنتم تعملون " وقوله " فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها " الآية المراد بهذا الخطاب آحاد المكلفين أي لا تتبعوا سبيل من كذب بالساعة وأقبل على ملاذه في دنياه وعصى مولاه واتبع هواه فمن وافقهم على ذلك فقد خاب وخسر " فتردى " أي تهلك وتعطب قال الله تعالى " وما يغني عنه ماله إذا تردى ".
وما تلك بيمينك يا موسى (17) قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى (18) قال ألقها يا موسى (19) فألقها فإذا هي حية تسعى (20) قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى (21) هذا برهان من الله تعالى لموسى عليه السلام ومعجزة عظيمة وخرق للعادة باهر دل على أنه لا يقدر على مثل هذا إلا الله عز وجل وأنه لا يأتي به إلا نبي مرسل وقوله " وما تلك بيمينك يا موسى " قال بعض المفسرين إنما قال له ذلك على سبيل الايناس له وقيل إنما قال له ذلك على وجه التقرير أي أما هذه التي في يمينك عصاك التي تعرفها فسترى ما نصنع بها الآن " وما تلك بيمنك يا موسى " استفهام تقرير " قال هي عصاي أتوكأ عليها " أي أعتمد عليها في حال المشي " وأهش بها على غنمي " أي أهز بها الشجرة ليتساقط ورقها لترعاه غنمي، قال عبد الرحمن بن القاسم عن الامام مالك: الهش أن يضع الرجل المحجن في الغصن ثم يحركه حتى يسقط ورقه وثمره ولا يكسر العود فهذا الهش ولا يخبط وكذا قال ميمون بن مهران أيضا وقوله " ولي فيها مآرب أخرى " أي مصالح ومنافع وحاجات أخر غير ذلك وقد تكلف بعضهم لذكر شئ من تلك المآرب التي أبهمت فقيل كانت تضئ له بالليل وتحرس له الغنم إذا نام ويغرسها فتصير شجرة تظله وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة، والظاهر أنها لم تكن كذلك ولو كانت كذلك لما استنكر موسى عليه الصلاة والسلام صيرورتها ثعبانا فما كان يفر منها هاربا ولكن كل ذلك من الاخبار الإسرائيلية وكذا قول بعضهم إنها كانت لآدم عليه الصلاة والسلام وقول الآخر إنها هي الدابة التي تخرج قبل يوم القيامة وروي عن ابن عباس أنه قال كان اسمها ما شاء والله أعلم بالصواب. وقوله تعالى " قال ألقها يا موسى " أي هذه العصا التي في يدك يا موسى ألقها " فألقاها فإذا هي حية تسعى " أي صارت في الحال حية عظيمة ثعبانا طويلا يتحرك حركة سريعة فإذا هي تهتز كأنها جان وهو أسرع الحيات حركة ولكنه صغير فهذه في غاية الكبر وفي غاية سرعة الحركة " تسعى " أي تمشي وتضطرب قال