والمعنى: لا أبرح قاعدا ومثله كثير. وأما المفسرون فقال ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة لا تزال تذكره، وعن مجاهد لا تفتر من حبه كأنه جعل الفتور والفتوء أخوين.
المسألة الثانية: حكى الواحدي عن أهل المعاني أن أصل الحرض فساد الجسم والعقل للحزن والحب، وقوله: حرضت فلانا على فلان تأويله أفسدته وأحميته عليه، وقال تعالى: * (حرض المؤمنين على القتال) * (الأنفال: 65).
إذا عرفت هذا فنقول: وصف الرجل بأنه حرض إما أن يكون لإرادة أنه ذو حرض فحذف المضاف أو لإرادة أنه لما تناهى في الفساد والضعف فكأنه صار عين الحرض ونفس الفساد. وأما الحرض بكسر الراء فهو الصفة وجاءت القراءة بهما معا.
إذا عرفت هذا فنقول: للمفسرين فيه عبارات: أحدها: الحرض والحارض هو الفاسد في جسمه وعقله. وثانيهما: سأل نافع بن الأزرق ابن عباس عن الحرض فقال: الفاسد الدنف. وثالثها: أنه الذي يكون لا كالأحياء ولا كالأموات، وذكر أبو روق أن أنس بن مالك قرأ: * (حتى تكون حرضا) * بضم الحاء وتسكين الراء قال يعني مثل عود الأشنان، وقوله: * (أو تكون من الهالكين) * أي من الأموات، ومعنى الآية أنهم قالوا لأبيهم إنك لا تزال تذكر يوسف بالحزن والبكاء عليه حتى تصير بذلك إلى مرض لا تنتفع بنفسك معه أو تموت من الغم كأنهم قالوا: أنت الآن في بلاء شديد ونخاف أن يحصل ما هو أزيد منه وأقوى وأرادوا بهذا القول منعه عن كثرة البكاء والأسف.
فإن قيل: لم حلفوا على ذلك مع أنهم لم يعلموا ذلك قطعا؟
قلنا: إنهم بنوا هذا الأمر على الظاهر.
فإن قيل: القائلون بهذا الكلام وهو قوله: * (تالله تفتؤ) * من هم؟
قلنا: الأظهر أن هؤلاء ليسوا هم الإخوة الذين قد تولى عنهم، بل الجماعة الذين كانوا في الدار من أولاد أولاده وخدمه.
ثم حكى تعالى عن يعقوب عليه السلام أنه قال: * (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله) * يعني أن هذا الذي أذكره لا أذكره معكم وإنما أذكره في حضرة الله تعالى، والإنسان إذا بث شكواه إلى الله تعالى كان في زمرة المحققين كما قال عليه الصلاة والسلام: " أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بعفوك من غضبك وأعوذ بك منك " والله هو الموفق، والبث هو التفريق قال الله تعالى: * (وبث فيها من كل دابة) * (البقرة: 164) فالحزن إذا ستره الإنسان كان هما وإذا ذكره لغيره كان بثا وقالوا: البث أشد الحزن