المرفوع، والتقدير: فأجمعوا أنتم وشركاؤكم. قال الواحدي: وجاز ذلك من غير تأكيد الضمير كقوله: * (أسكن أنت وزوجك الجنة) * (البقرة: 35) لأن قوله: * (أمركم) * فصل بين الضمير وبين المنسوق، فكان كالعوض من التوكيد وكان الفراء يستقبح هذه القراءة، لأنها توجب أن يكتب وشركاؤكم بالواو وهذا الحرف غير موجود في المصاحف.
القيد الثالث: قوله: * (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) * قال أبو الهيثم: أي مبهما من قولهم غم علينا الهلال فهو مغموم إذا التبس قال طرفة: فلعمري ما أمري علي بغمة * نهاري ولا ليلي علي بسرمد وقال الليث: إنه لفي غمة من أمره إذا لم يهتد له. قال الزجاج: أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا.
القيد الرابع: قوله: * (ثم اقضوا إلي) * وفيه بحثان:
البحث الأول: قال ابن الأنباري معناه ثم امضوا إلي بمكروهكم وما توعدونني به، تقول العرب: قضى فلان، يريدون مات ومضى، وقال بعضهم: قضاء الشيء إحكامه وإمضاؤه والفراغ منه وبه يسمى القاضي، لأنه إذا حكم فقد فرغ فقوله: * (ثم اقضوا إلي) * أي افرغوا من أمركم وامضوا ما في أنفسكم واقطعوا ما بيني وبينكم، ومنه قوله تعالى: * (وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب) * (الإسراء: 4) أي أعلمناهم إعلاما قاطعا، قال تعالى: * (وقضينا إليه ذلك الأمر) * (الحجر: 66) قال القفال رحمه الله تعالى ومجاز دخول كلمة * (إلى) * في هذا الموضع من قولهم برئت إليك وخرجت إليك من العهد، وفيه معنى الإخبار فكأنه تعالى قال: ثم اقضوا ما يستقر رأيكم عليه محكما مفروغا منه.
البحث الثاني: قرىء ثم أفضوا إلي بالفاء بمعنى ثم انتهوا إلى بشركم، وقيل: هو من أفضى الرجل إذا خرج إلى الفضاء، أي أصحروا به إلي وأبرزوه إلي.
القيد الخامس: قوله: * (ولا تنظرون) * معناه لا تمهلون بعد إعلامكم إياي ما اتفقتم عليه فهذا هو تفسير هذه الألفاظ، وقد نظم القاضي هذا الكلام على أحسن الوجوه فقال إنه عليه السلام قال: " في أول الأمر فعلى الله توكلت فإني واثق بوعد الله جازم بأنه لا يخلف الميعاد ولا تظنوا أن تهديدكم إياي بالقتل والإيذاء يمنعني من الدعاء إلى الله تعالى " ثم إنه عليه السلام أورد ما يدل على صحة دعوته فقال: " فأجمعوا أمركم " فكأنه يقول لهم أجمعوا كل ما تقدرون عليه من الأسباب التي توجب حصول مطلوبكم ثم لم يقتصر على ذلك بل أمرهم أن يضموا إلى أنفسهم شركائهم الذين كانوا يزعمون أن حالهم يقوى بمكانتهم وبالتقرب إليهم، ثم لم يقتصر على هذين بل ضم إليهما ثالثا وهو قوله: * (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) * وأراد أن يبلغوا فيه كل غاية في المكاشفة والمجاهرة، ثم لم يقتصر على ذلك حتى