ليعلم أن قوله: * (الحق) * ليس بصفة لهذا وأنه خبر. قال: ويجوز هو الحق رفعا ولا أعلم أحدا قرأ بها ولا خلاف بين النحويين في إجازتها، ولكن القراءة سنة، وروى صاحب " الكشاف " عن الأعمش أنه قرأ بها.
واعلم أنه تعالى لما حكى هاتين الشبهتين لم يذكر الجواب عن الشبهة الأولى، وهو قوله: * (لو نشاء لقلنا مثل هذا) * ولكنه ذكر الجواب عن الشبهة الثانية، وهو قوله: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: اعلم أن تقرير وجه الجواب أن الكفار لما بالغوا وقالوا: اللهم إن كان محمد محقا فأمطر علينا حجارة من السماء، ذكر تعالى أن محمدا وإن كان محقا في قوله إلا أنه مع ذلك لا يمطر الحجارة على أعدائه، وعلى منكري نبوته، لسببين: الأول: أن محمدا عليه الصلاة والسلام ما دام يكون حاضرا معهم، فإنه تعالى لا يفعل بهم ذلك تعظيما له، وهذا أيضا عادة الله مع جميع الأنبياء المتقدمين، فإنه لم يعذب أهل قرية إلا بعد أن يخرج رسولهم منها، كما كان في حق هود وصالح ولوط.
فإن قيل: لما كان حضوره فيهم مانعا من نزول العذاب عليهم، فكيف قال: * (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) * (التوبة: 14).
قلنا: المراد من الأول عذاب الاستئصال، ومن الثاني: العذاب الحاصل بالمحاربة والمقاتلة.
والسبب الثاني: قوله: * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * وفي تفسيره وجوه: الأول: وما كان الله معذب هؤلاء الكفار وفيهم مؤمنون يستغفرون، فاللفظ وإن كان عاما إلا أن المراد بعضهم كما يقال: قتل أهل المحلة رجلا، وأقدم أهل البلدة الفلانية على الفساد، والمراد بعضهم. الثاني: وما كان الله معذب هؤلاء الكفار، وفي علم الله أنه يكون لهم أولاد يؤمنون بالله ويستغفرونه، فوصفوا بصفة أولادهم وذراريهم. الثالث: قال قتادة والسدي: * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) * أي لو استغفروا لم يعذبوا، فكان المطلوب من ذكر هذا الكلام استدعاء الاستغفار منهم. أي لو اشتغلوا بالاستغفار لما عذبهم الله. ولهذا ذهب بعضهم إلى أن الاستغفار ههنا بمعنى الإسلام والمعنى: أنه كان معهم قوم كان في علم الله أن يسلموا. منهم أبو سفيان بن حرب. وأبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب. والحرث بن هشام. وحكيم بن حزام. وعدد كثير، والمعنى * (وما كان الله معذبهم وأنت فيهم) * مع أن في علم الله أن فيهم من يؤول أمره إلى الإيمان. قال أهل المعاني: دلت هذه الآية على أن الاستغفار أمان وسلامة من العذاب. قال ابن عباس: كان فيهم أمانان نبي الله