ههنا الأولى ذكر هذه الكلمة الدالة على تفويض الأمور إلى الله، حتى يحصل ببركة هذه الكلمة دوام الإيمان. الثامن: أن جماعة من السلف ذكروا هذه الكلمة، ورأينا لهم ما يقويه في كتاب الله وهو قوله تعالى: * (أولئك هم المؤمنون حقا) * وهم المؤمنون في علم الله وفي حكمه، وذلك يدل على وجود جمع يكونون مؤمنين، وعلى وجود جمع لا يكونون كذلك. فالمؤمن يقول: إن شاء الله حتى يجعله الله ببركة هذه الكلمة من القسم الأول لا من القسم الثاني. أما القائلون: أنه لا يجوز ذكر هذه الكلمة فقد احتجوا على صحة قولهم بوجوه: الأول: أن المتحرك يجوز أن يقول: أنا متحرك ولا يجوز أن يقول أنا متحرك إن شاء الله، وكذا القول في القائم والقاعد، فكذا ههنا وجب أن يكون المؤمن مؤمنا، ولا يجوز أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله، وكما أن خروج الجسم عن كونه متحركا في المستقبل لا يمنع من الحكم عليه بكونه متحركا حال قيام الحركة به فكذلك احتمال زوال الإيمان في المستقبل، لا يقدح في كونه مؤمنا في الحال. الثاني: أنه تعالى قال: * (أولئك هم المؤمنون حقا) * فقد حكم تعالى عليهم بكونهم مؤمنين حقا فكان قوله إن شاء الله يوجب الشك فيما قطع الله عليه بالحصول وذلك لا يجوز. والجواب عن الأول: أن الفرق بين وصف الإنسان بكونه مؤمنا، وبين وصفه بكونه متحركا، حاصل من الوجوه الكثيرة التي ذكرناها، وعند حصول الفرق يتعذر الجمع، وعن الثاني أنه تعالى حكم على الموصوفين بالصفات المذكورة بكونهم مؤمنين حقا، وذلك الشرط مشكوك فيه، والشك في الشرط يوجب الشك في المشروط. فهذا يقوي عين مذهبنا. والله أعلم. الحكم الثاني من الأحكام التي أثبتها الله تعالى للموصوفين بالصفات الخمسة قوله تعالى: * (لهم درجات عند ربهم) * والمعنى: لهم مراتب بعضها أعلى من بعض.
واعلم أن الصفات المذكورة قسمان: الثلاثة الأول: هي الصفات القلبية والأحوال الروحانية، وهي الخوف والإخلاص والتوكل. والاثنتان الأخيرتان هما الأعمال الظاهرة والأخلاق. ولا شك أن لهذه الأعمال والأخلاق تأثيرات في تصفية القلب، وفي تنويره بالمعارف الإلهية. ولا شك أن المؤثر كلما كان أقوى كانت الآثار أقوى وبالضد، فلما كانت هذه الأخلاق والأعمال لها درجات ومراتب. كانت المعارف أيضا لها درجات ومراتب، وذلك هو المراد من قوله: * (لهم درجات عند ربهم) * والثواب الحاصل في الجنة أيضا مقدر بمقدار هذه الأحوال. فثبت أن مراتب السعادات