وفيه دقيقة أخرى: وهو أنه عليه السلام إنما كان يناظرهم وهم كانوا منجمين. ومذهب أهل النجوم أن الكوكب إذا كان في الربع الشرقي ويكون صاعدا إلى وسط السماء كان قويا عظيما التأثير. أما إذا كان غريبا وقريبا من الأفول فإنه يكون ضعيف التأثير قليل القوة. فنبه بهذه الدقيقة على أن الإله هو الذي لا تتغير قدرته إلى العجز وكماله إلى النقصان، ومذهبكم أن الكوكب حال كونه في الربع الغربي، يكون ضعيف القوة، ناقص التأثير، عاجزا عن التدبير، وذلك يدل على القدح في إلهيته، فظهر على قول المنجمين أن للأفول مزيد خاصية في كونه موجبا للقدح في إلهيته والله أعلم.
أما المقام الثاني: وهو بيان أن كوكب الكوكب آفلا يمنع من ربوبيته. فلقائل أيضا أن يقول: أقصى ما في الباب أن يكون أفوله دالا على حدوثه إلا أن حدوثه لا يمنع من كونه ربا لإبراهيم ومعبودا له، ألا ترى أن المنجمين وأصحاب الوسايط يقولون أن الإله الأكبر خلق الكواكب وأبدعها وأحدثها، ثم أن هذه الكواكب تخلق النبات والحيوان في هذا العالم الأسفل، فثبت أن أفول الكواكب وإن دل على حدوثها إلا أنه لا يمنع من كونها أربابا للإنسان وآلهة لهذا العالم. والجواب: لنا ههنا مقامان:
المقام الأول: أن يكون المراد من الرب والإله الموجود الذي عنده تنقطع الحاجات، ومتى ثبت بأفول الكواكب حدوثها، وثبت في بداهة العقول أن كل ما كان محدثا، فإنه يكون في وجوده محتاجا إلى الغير. وجب القطع باحتياج هذه الكواكب في وجودها إلى غيرها، ومتى ثبت هذا المعنى امتنع كونها أربابا وآلهة. بمعنى أنه تنقطع الحاجات عند وجودها، فثبت أن كونها آفلة يوجب القدح في كونها أربابا وآلهة بهذا التفسير.
المقام الثاني: أن يكون المراد من الرب والإله. من يكون خالقا لنا وموجدا لذواتنا وصفاتنا. فنقول: أفول الكواكب يدل على كونها عاجزة عن الخلق والإيجاد وعلى أنه لا يجوز عبادتها وبيانه من وجوه: الأول: أن أفولها يدل على حدوثها. وحدوثها يدل على افتقارها إلى فاعل قديم قادر ويجب أن تكون قادرية ذلك القادر أزلية. وإلا لافتقرت قادريته إلى قادر آخر، ولزم التسلسل وهو محال، فثبت أن قادريته أزلية.
وإذا ثبت هذا فنقول: الشيء الذي هو مقدور له إنما صح كونه مقدورا له باعتبار إمكانه والإمكان واحد في كل الممكنات. فثبت أن ما لأجله صار بعض الممكنات مقدورا لله تعالى فهو حاصل في كل الممكنات، فوجب في كل الممكنات أن تكون مقدروة لله تعالى.