يعرفونه، حتى انتهى إلى صاحب الطعام، فسامه بطعامه، فقال صاحب الطعام: هات ورقك فأخرج إليه الورق، فقال: من أين لك هذ الورق؟ قال: هذه ورقنا وورق أهل بلادنا فقال: هيهات هذه الورق من ضرب فلان بن فلان منذ ثلاث مئة وتسع سنين أنت أصبت كنزا ولست بتاركك حتى أرفعك إلى الملك. فرفعه إلى الملك، وإذا الملك مسلم وأصحابه مسلمون، ففرح واستبشر، وأظهر لهم أمره، وأخبرهم خبر أصحابه فبعثوا إلى اللوح في الخزانة، فأتوا به، فوافق ما وصف من أمرهم، فقال المشركون: نحن أحق بهم هؤلاء أبناء آبائنا، وقال المسلمون: نحن أحق بهم، هم مسلمون منا. فانطلقوا معه إلى الكهف فلما أتوا باب الكهف قال: دعوني حتى أدخل على أصحابي حتى أبشرهم، فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم فدخل فبشرهم، وقبض الله أرواحهم. قال: وعمى الله عليهم مكانهم، فلم يهتدوا، فقال المشركون: نبني عليهم بنيانا، فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيها.
وقال المسلمون: نحن أحق بهم، هم منا، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه، ونعبد الله فيه.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي قول من قال: إن الله تعالى بعثهم من رقدتهم ليتساءلوا بينهم كما بينا قبل، لان الله عز ذكره، كذلك أخبر عباده في كتابه، وإن الله أعثر عليهم القوم الذين أعثرهم عليهم، ليتحقق عندهم ببعث الله هؤلاء الفتية من رقدتهم بعد طول مدتها بهيئتهم يوم رقدوا، ولم يشيبوا على مر الأيام والليالي عليهم، ولم يهرموا على كر الدهور والأزمان فيهم قدرته على بعث من أماته في الدنيا من قبره إلى موقف القيامة يوم القيامة، لان الله عز ذكره بذلك أخبرنا، فقال: وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها.
واختلفت القراء في قراءة قوله: فابعثوا أحدكم بورقكم هذه فقرأ ذلك عامة قراء أهل المدينة وبعض العراقيين بورقكم هذه بفتح الواو وكسر الراء والقاف. وقرأ عامة قراء الكوفة والبصرة: بورقكم بسكون الراء، وكسر القاف. وقرأه بعض المكيين بكسر الراء، وإدغام القاف في الكاف، وكل هذه القراءات متفقات المعاني، وإن اختلفت الألفاظ منها، وهن لغات معروفات من كلام العرب، غير أن الأصل في ذلك فتح الواو وكسر الراء والقاف، لأنه الورق، وما عدا ذلك فإنه داخل عليه طلب التخفيف. وفيه أيضا لغة أخرى وهو الورق، كما يقال للكبد كبد. فإذا كان ذلك هو الأصل، فالقراءة به إلي أعجب، من غير أن تكون الاخريان مدفوعة صحتهما، وقد ذكرنا الرواية بأن الذي بعث معه بالورق إلى المدينة كان اسمه يمليخا. وقد: