أراهم أبدا وقد كنا تواثقنا أن لا نفترق في حياة ولا موت أبدا. يا ليت شعري ما هو فاعل بي؟ أقاتلي هو أم لا؟ ذلك الذي يحدث به يمليخا نفسه فيما أخبر أصحابه حين رجع إليهم.
فلما انتهى إلى الرجلين الصالحين أريوس وأسطيوس، فلما رأى يمليخا أنه لم يذهب به إلى دقينوس، أفاق وسكن عنه البكاء فأخذ أريوس وأسطيوس الورق فنظرا إليها وعجبا منها، ثم قال أحدهما: أين الكنز الذي وجدت يا فتى؟ هذا الورق يشهد عليك أنك قد وجدت كنزا فقال لهما يمليخا: ما وجدت كنزا ولكن هذه الورق ورق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني، وما أدري ما أقول لكم فقال له أحدهما:
ممن أنت؟ فقال له يمليخا: ما أدري، فكنت أرى أني من أهل هذه القرية، قالوا: فمن أبوك ومن يعرفك بها؟ فأنبأهم باسم أبيه، فلم يجدوا أحدا يعرفه ولا أباه فقال له أحدهما: أنت رجل كذاب لا تنبئنا بالحق فلم يدر يمليخا ما يقول لهم، غير أنه نكس بصره إلى الأرض.
فقال له بعض من حوله: هذا رجل مجنون فقال بعضهم: ليس بمجنون، ولكنه يحمق نفسه عمدا لكي ينفلت منكم فقال له أحدهما، ونظر إليه نظرا شديدا: أتظن أنك إذ تتجانن نرسلك ونصدقك بأن هذا مال أبيك، وضرب هذه الورق ونقشها منذ أكثر من ثلاث مئة سنة؟ وإنما أنت غلام شاب تظن أنك تأفكنا، ونحن شمط كما ترى، وحولك سراة أهل المدينة، وولاة أمرها، إني لأظنني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا، ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز الذي وجدت. فلما قال ذلك، قال يمليخا: أنبئوني عن شئ أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتكم عما عندي أرأيتم دقينوس الملك الذي كان في هذه المدينة عشية أمس ما فعل؟ فقال له الرجل: ليس على وجه الأرض رجل اسمه دقينوس، ولم يكن إلا ملك قد هلك منذ زمان ودهر طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة فقال له يمليخا: فوالله إني إذا لحيران، وما هو بمصدق أحد من الناس بما أقول والله لقد علمت، لقد فررنا من الجبار دقينوس، وإني قد رأيته عشية أمس حين دخل مدينة أفسوس، ولكن لا أدري أمدينة أفسوس هذه أم لا؟ فانطلقا معي إلى الكهف الذي في جبل بنجلوس أريكم أصحابي. فلما سمع أريوس ما يقول يمليخا قال: يا قوم لعل هذه آية من آيات الله جعلها لكم على يدي هذا الفتى، فانطلقوا بنا معه يرنا أصحابه، كما قال. فانطلق معه أريوس وأسطيوس، وانطلق معهم أهل المدينة كبيرهم وصغيرهم، نحو أصحاب الكهف لينظروا إليهم.