فإن قال قائل: وما يدل على أن ذلك كذلك؟ قيل: الدال على ذلك أنه جل ثناؤه ابتدأ الخبر عن قدر لبثهم في كهفهم ابتداء، فقال: ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا ولم يضع دليلا على أن ذلك خبر منه عن قول قوم قالوه، وغير جائز أن يضاف خبره عن شئ إلى أنه خبر عن غيره بغير برهان، لان ذلك لو جاز جاز في كل أخباره، وإذا جاز ذلك في أخباره جاز في أخبار غيره أن يضاف إليه أنها أخباره، وذلك قلب أعيان الحقائق وما لا يخيل فساده.
فإن ظن ظان أن قوله: قل الله أعلم بما لبثوا دليل على أن قوله: ولبثوا في كهفهم خبر منه عن قوم قالوه، فإن ذلك كان يجب أن يكون كذلك لو كان لا يحتمل من التأويل غيره فأما وهو محتمل ما قلنا من أن يكون معناه: قل الله أعلم بما لبثوا إلى يوم أنزلنا هذه السورة، وما أشبه ذلك من المعاني فغير واجب أن يكون ذلك دليلا على أن قوله: ولبثوا في كهفهم خبر من الله عن قوم قالوه، وإذا لم يكن دليلا على ذلك، ولم يأت خبر بأن قوله: ولبثوا في كهفهم خبر من الله عن قوم قالوه، ولا قامت بصحة ذلك حجة يجب التسليم لها، صح ما قلنا، وفسد ما خالفه.
واختلفت القراء في قراءة قوله: ثلاث مئة سنين فقرأت ذلك عامة قراء المدينة والبصرة وبعض الكوفيين ثلاث مئة سنين بتنوين: ثلاث مئة، بمعنى: ولبثوا في كهفهم سنين ثلاث مئة. وقرأته عامة قراء أهل الكوفة: ثلاث مئة سنين بإضافة ثلاث مئة إلى السنين، غير منون.
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب قراءة من قرأه: ثلاث مئة بالتنوين سنين، وذلك أن العرب إنما تضيف المئة إلى ما يفسرها إذا جاء تفسيرها بلفظ الواحد، وذلك كقولهم ثلاث مئة درهم، وعندي مئة دينار، لان المئة والألف عدد كثير، والعرب لا تفسر ذلك إلا بما كان بمعناه في كثرة العدد، والواحد يؤدي عن الجنس، وليس ذلك للقليل من العدد، وإن كانت العرب ربما وضعت الجمع القليل موضع الكثير، وليس ذلك بالكثير. وأما إذا جاء تفسيرها بلفظ الجمع، فإنها تنون، فتقول: عندي ألف دراهم، عندي مئة دنانير، على ما قد وصفت.
وقوله: له غيب السماوات والأرض يقول تعالى ذكره: لله علم غيب السماوات والأرض، لا يعزب عنه علم شئ منه، ولا يخفى عليه شئ، يقول: فسلموا له علم مبلغ ما