أن استيقظوا ثلاث مئة وتسع سنين. فلما رأى يمليخا باب المدينة رفع بصره، فرأى فوق ظهر الباب علامة تكون لأهل الايمان، إذا كان ظاهرا فيها فلما رآها عجب وجعل ينظر مستخفيا إليها فنظر يمينا وشمالا، فتعجب بينه وبين نفسه، ثم ترك ذلك الباب، فتحول إلى باب آخر من أبوابها، فنظر فرأى من ذلك ما يحيط بالمدينة كلها، ورأى على كل باب مثل ذلك فجعل يخيل إليه أن المدينة ليس بالمدينة التي كان يعرف، ورأى ناسا كثيرا محدثين لم يكن يراهم قبل ذلك، فجعل يمشي ويعجب ويخيل إليه أنه حيران ثم رجع إلى الباب الذي أتى منه، فجعل يعجب بينه وبين نفسه ويقول: يا ليت شعري، أما هذه عشية أمس، فكان المسلمون يخفون هذه العلامة ويستخفون بها، وأما اليوم فإنها ظاهرة لعلي حالم؟ ثم يرى أنه ليس بنائم فأخذ كساءه فجعله على رأسه، ثم دخل المدينة، فجعل يمشي بين ظهري سوقها، فيسمع أناسا كثيرا يحلفون باسم عيسى ابن مريم، فزاده فرقا، ورأى أنه حيران، فقام مسندا ظهره إلى جدار من جدر المدينة ويقول في نفسه: والله ما أدري ما هذا أما عشية أمس فليس على الأرض انسان يذكر عيسى ابن مريم إلا قتل وأما الغداة فأسمعهم، وكل انسان يذكر أمر عيسى لا يخاف ثم قال في نفسه: لعل هذه ليست بالمدينة التي أعرف أسمع كلام أهلها ولا أعرف أحدا منهم، والله ما أعلم مدينة قرب مدينتنا فقام كالحيران لا يتوجه وجها ثم لقي فتى من أهل المدينة، فقال له: ما اسم هذه المدينة يا فتى؟ قال: اسمها أفسوس، فقال في نفسه: لعل بي مسا، أو بي أمر أذهب عقلي؟ والله يحق لي أن أسرع الخروج منها قبل أن أخزى فيها أو يصيبني شر فأهلك. هذا الذي يحدث به يمليخا أصحابه حين تبين لهم ما به.
ثم إنه أفاق فقال: والله لو عجلت الخروج من المدينة قبل أن يفطن بي لكان أكيس لي فدنا من الذين يبيعون الطعام، فأخرج الورق التي كانت معه، فأعطاها رجلا منهم، فقال: بعني بهذه الورق يا عبد الله طعاما. فأخذها الرجل، فنظر إلى ضرب الورق ونقشها، فعجب منها، ثم طرحها إلى رجل من أصحابه، فنظر إليها، ثم جعلوا يتطارحونها بينهم من رجل إلى رجل، ويتعجبون منها، ثم جعلوا يتشاورون بينهم ويقول بعضهم لبعض: إن هذا الرجل قد أصاب كنزا خبيئا في الأرض منذ زمان ودهر طويل فلما رآهم يتشاورون من أجله فرق فرقا شديدا، وجعل يرتعد ويظن أنهم قد فطنوا به وعرفوه، وأنهم إنما يريدون أن يذهبوا به إلى ملكهم دقينوس يسلمونه إليه. وجعل أناس آخرون يأتونه فيتعرفونه، فقال لهم وهو شديد الفرق منهم: أفضلوا علي، فقد أخذتم ورقي فأمسكوا، وأما طعامكم فلا حاجة