الذي على فم الكهف، فيبنى به حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين، فجعلا ينزعان تلك الحجارة، ويبنيان بها تلك الحظيرة، حتى نزعا ما على فم الكهف، حتى فتحا عنهم باب الكهف، وحجبهم الله من الناس بالرعب فيزعمون أن أشجع من يريد أن ينظر إليهم غاية ما يمكنه أن يدخل من باب الكهف، ثم يتقدم حتى يرى كلبهم دونهم إلى باب الكهف نائما فلما نزعا الحجارة، وفتحا عليهم باب الكهف، أذن الله ذو القدرة والعظمة والسلطان محيي الموتى للفتية أن يجلسوا بين ظهري الكهف، فجلسوا فرحين مسفرة وجوههم طيبة أنفسهم، فسلم بعضهم على بعض، حتى كأنما استيقظوا من ساعتهم التي كانوا يستيقظون لها إذا أصبحوا من ليلتهم التي يبيتون فيها. ثم قاموا إلى الصلاة فصلوا، كالذي كانوا يفعلون، لا يرون، ولا يرى في وجوههم، ولا أبشارهم، ولا ألوانهم شئ ينكرونه كهيئتهم حين رقدوا بعشي أمس، وهم يرون أن ملكهم دقينوس الجبار في طلبهم والتماسهم.
فلما قضوا صلاتهم كما كانوا يفعلون، قالوا ليمليخا، وكان هو صاحب نفقتهم، الذي كان يبتاع لهم طعامهم وشرابهم من المدينة، وجاءهم بالخبر أن دقينوس يلتمسنهم، ويسأل عنهم: أنبئنا يا أخي ما الذي قال الناس في شأننا عشي أمسى عند هذا الجبار؟ وهم يظنون أنهم رقدوا كبعض ما كانوا يرقدون، وقد خيل إليهم أنهم قد ناموا كأطول ما كانوا ينامون في الليلة التي أصبحوا فيها، حتى تساءلوا بينهم، فقال بعضهم لبعض: كم لبثتم نياما؟ قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم قالوا ربكم أعلم بما لبثتم وكل ذلك في أنفسهم يسير.
فقال لهم يمليخا: افتقدتم والتمستم بالمدينة، وهو يريد أن يؤتى بكم اليوم، فتذبحون للطواغيت، أو يقتلكم، فما شاء الله بعد ذلك. فقال لهم مكسلمينا: يا إخوتاه اعلموا أنكم ملاقون، فلا تكفروا بعد إيمانكم إذا دعاكم عدو الله، ولا تنكروا الحياة التي لا تبيد بعد إيمانكم بالله، والحياة من بعد الموت ثم قالوا ليمليخا: انطلق إلى المدينة فتسمع ما يقال لنا بها اليوم، وما الذي نذكر به عند دقينوس، وتلطف، ولا يشعرن بنا أحد، وابتع لنا طعاما فأتنا به، فإنه قد آن لك، وزدنا على الطعام الذي قد جئتنا به، فإنه قد كان قليلا، فقد أصبحنا جياعا ففعل يمليخا كما كان يفعل، ووضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وأخذ ورقا من نفقتهم التي كانت معهم، التي ضربت بطابع دقينوس الملك، فانطلق يمليخا خارجا فلما مر بباب الكهف، رأى الحجارة منزوعة عن باب الكهف، فعجب منها، ثم مر فلم يبال بها، حتى أتى المدينة مستخفيا يصد عن الطريق تخوفا أن يراه أحد من أهلها، فيعرفه، فيذهب به إلى دقينوس، ولا يشعر العبد الصالح أن دقينوس وأهل زمانه قد هلكوا قبل ذلك بثلاث مئة وتسع سنين، أو ما شاء الله من ذلك إذ كان ما بين أن ناموا إلى