الاعذار، فتقول: قد اعتذر فلان في كذا، يعني: أعذر، ومن ذلك قول لبيد:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر فقال: فقد اعتذر، بمعنى: فقد أعذر.
على أن أهل التأويل، قد اختلفوا في صفة هؤلاء القوم الذين وصفهم الله بأنهم جاءوا رسول الله (ص) معذرين، فقال بعضهم: كانوا كاذبين في اعتذارهم، فلم يعذرهم الله. ذكر من قال ذلك:
13274 - حدثني أبو عبيدة عبد الوارث بن عبد الصمد، قال: ثني أبي، عن الحسين، قال: كان قتادة يقرأ: وجاء المعذرون من الاعراب قال: اعتذروا بالكتب.
13275 - حدثني الحرث، قال: ثنا عبد العزيز، قال: ثنا يحيى بن زكريا، عن ابن جريج، عن مجاهد: وجاء المعذرون من الاعراب قال نفر من بني غفار جاءوا فاعتذروا، فلم يعذرهم الله.
فقد أخبر من ذكرنا من هؤلاء أن هؤلاء القوم إنما كانوا أهل اعتذار بالباطل لا بالحق. فغير جائز أن يوصفوا بالاعذار إلا أن يوصفوا بأنهم أعذروا في الاعتذار بالباطل. فأما بالحق على ما قاله من حكينا قوله من هؤلاء، فغير جائز أن يوصفوا به. وقد كان بعضهم يقول: إنما جاءوا معذرين غير جادين، يعرضون ما لا يريدون فعله. فمن وجهه إلى هذا التأويل فلا كلفة في ذلك، غير أني لا أعلم أحدا من أهل العلم بتأويل القرآن وجه تأويله إلى ذلك، فأستحب القول به.
وبعد، فإن الذي عليه من القراءة قراء الأمصار التشديد في الذال، أعني من قوله:
المعذرون ففي ذلك دليل على صحة تأويل من تأوله بمعنى الاعتذار لان القوم الذين وصفوا بذلك لم يكلفوا أمرا عذروا فيه، وإنما كانوا فرقتين إما مجتهد طائع وإما منافق فاسق لأمر الله مخالف، فليس في الفريقين موصوف بالتعذير في الشخوص مع رسول الله (ص)، وإنما هو معذر مبالغ، أو معتذر. فإذا كان ذلك كذلك، وكانت الحجة من القراء مجمعة على تشديد الذال من المعذرين، علم أن معناه ما وصفناه من التأويل. وقد ذكر عن مجاهد في ذلك موافقة ابن عباس.