وقال آخرون: لباس التقوى في هذه المواضع: ستر العورة. ذكر من قال ذلك:
11237 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله:
ولباس التقوى يتقي الله فيواري عورته، ذلك لباس التقوى.
واختلف القراء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء المكيين والكوفيين والبصريين:
ولباس التقوى ذلك خير برفع ولباس. وقرأ ذلك عامة قراء المدينة: ولباس التقوى بنصب اللباس، وهي قراءة بعض قراء الكوفيين. فمن نصب: ولباس فإنه نصبه عطفا على الريش بمعنى: قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا، وأنزلنا لباس التقوى.
وأما الرفع، فإن أهل العربية مختلفون في المعنى الذي ارتفع به اللباس، فكان بعض نحويي البصرة يقول: هو مرفوع على الابتداء، وخبره في قوله: ذلك خير. وقد استخطأه بعض أهل العربية في ذلك وقال: هذا غلط، لأنه لم يعد على اللباس في الجملة عائد، فيكون اللباس إذا رفع على الابتداء وجعل ذلك خير خبرا.
وقال بعض نحويي الكوفة: ولباس يرفع بقوله: ولباس التقوى خير، ويجعل ذلك من نعته. ب خير لم يكن في ذلك وجه إلا أن يجعل اللباس نعتا، لا أنه عائد على اللباس من ذكره في قوله: ذلك خير فيكون خير مرفوعا بذلك وذلك به. فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام إذن: رفع لباس التقوى، ولباس التقوى ذلك الذي قد علمتموه خير لكم يا بني آدم من لباس الثياب التي تواري سوآتكم، ومن الرياش التي أنزلناها إليكم فالبسوه. وأما تأويل من قرأه نصبا، فإنه: يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم، وريشا، ولباس التقوى هذا الذي أنزلنا عليكم، من اللباس الذي يواري سوآتكم، والريش، ولباس التقوى خير لكم من التعري والتجرد من الثياب في طوافكم بالبيت، فاتقوا الله والبسوا ما رزقكم الله من الرياش، ولا تطيعوا الشيطان بالتجرد والتعري من الثياب، فإن ذلك سخرية منه بكم وخدعة، كما فعل بأبويكم آدم وحواء فخدعهما حتى جردهما من لباس الله الذي كان ألبسهما بطاعتهما له في أكل ما كان الله نهاهما عن أكله من ثمر الشجرة التي عصياه بأكلها.
وهذه القراءة أولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب، أعني نصب قوله: ولباس التقوى لصحة معناه في التأويل على ما بينت، وأن الله إنما ابتدأ الخبر عن إنزاله اللباس الذي يواري سوأتنا والرياش توبيخا للمشركين الذين كانوا يتجردون في حال طوافهم بالبيت، ويأمرهم بأخذ ثيابهم والاستتار بها في كل حال مع الايمان به واتباع طاعته،