وقد فصلت لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون، وبينته لكم بقوله: حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به... إلى قوله: فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لاثم فلا لبس عليكم في حرام ذلك من حلاله، فتمتنعوا من أكل حلاله حذرا من مواقعة حرامه. فإذ كان ذلك معناه فلا وجه لقول متأولي ذلك: وأي شئ لكم في أن لا تأكلوا لان ذلك إنما يقال كذلك لمن كان كف عن أكله رجاء ثواب بالكف عن أكله، وذلك يكون ممن آمن بالكف فكف اتباعا لأمر الله وتسليما لحكمه، ولا نعلم أحدا من سلف هذه الأمة كف عن أكل ما أحل الله من الذبائح رجاء ثواب الله على تركه ذلك، واعتقادا منه أن الله حرمه عليه. فبين بذلك إذ كان الامر كما وصفنا أن أولى التأويلين في ذلك بالصواب ما قلنا.
وقد بينا فيما مضى قبل أن معنى قوله: فصل، وفصلنا وفصل: بين، أو بين، بما يغني عن إعادته في هذا الموضع. كما:
10737 - حدثني محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: وقد فصل لكم ما حرم عليكم يقول: قد بين لكم ما حرم عليكم.
10738 - حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن ابن زيد، مثله.
واختلفت القراء في قول الله جل ثناؤه: وقد فصل لكم ما حرم عليكم فقرأه بعضهم بفتح أول الحرفين من فصل وحرم: أي فصل ما حرمه من مطاعمكم، فبينه لكم. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين: وقد فصل بفتح فاء فصل وتشديد صاده، ما حرم بضم حائه وتشديد رائه، بمعنى: وقد فصل الله لكم المحرم عليكم من مطاعمكم.
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض البصريين: وقد فصل لكم بضم فائه وتشديد صاده ما حرم عليكم بضم حائه وتشديد رائه، على وجه ما لم يسم فاعله في الحرفين كليهما.
وروي عن عطية العوفي أنه كان يقرأ ذلك: وقد فصل بتخفيف الصاد وفتح الفاء، بمعنى:
وقد أتاكم حكم الله فيما حرم عليكم.