ذكرت لك في تنزيلي عليك: تعالوا أيها القوم أقرأ عليكم ما حرم ربكم حقا يقينا، لا الباطل، تخرصا كخرصكم على الله الكذب والفرية ظنا، ولكن وحيا من الله أوحاه إلي، وتنزيلا أنزله علي، ألا تشركوا بالله شيئا من خلقه ولا تعدلوا به الأوثان والأصنام ولا تعبدوا شيئا سواه. وبالوالدين إحسانا يقول: وأوصى بالوالدين إحسانا. وحذف أوصى وأمر لدلالة الكلام عليه ومعرفة السامع بمعناه، وقد بينا ذلك بشواهده فيما مضى من الكتاب.
وأما أن في قوله: أن لا تشركوا به شيئا فرفع، لان معنى الكلام: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، هو أن لا تشركوا به شيئا. وإذا كان ذلك معناه، كان في قوله:
تشركوا وجهان: الجزم بالنهي، وتوجيهه لا إلى معنى النهي. والنصب على توجيه الكلام إلى الخبر، ونصب تشركوا بأن لا كما يقال: أمرتك أن لا تقوم. وإن شئت جعلت أن في موضع نصب ردا على ما وبيانا عنها، ويكون في قوله: تشركوا أيضا من وجهي الاعراب نحو ما كان فيه منه، وأن في موضع رفع، ويكون تأويل الكلام حينئذ: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم، أتل أن لا تشركوا به شيئا.
فإن قال قائل: وكيف يجوز أن يكون قوله تشركوا نصبا ب أن لا، أم كيف يجوز توجيه قوله: أن لا تشركوا به، على معنى الخبر، وقد عطف عليه بقوله: ولا تقتلوا أولادكم من إملاق وما بعد ذلك من جزم النهي؟ قيل: جاز ذلك كما قال تعالى ذكره:
قل إني أمرت أن أكون أول من أسلم فجعل أن أكون خبرا وأن اسما، ثم عطف عليه، وكما قال الشاعر:
حج وأوصى بسليمى الأعبدا * أن لا ترى ولا تكلم أحدا ولا يزل شرابها مبردا فجعل قوله أن لا ترى خبرا، ثم عطف بالنهي، فقال: ولا تكلم، ولا يزل.