تجارة، فركبوا البحر ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه من بين آنية وبز ورقة.
فمرض القرشي، فجعل وصيته إلى الداريين، فمات. وقبض الداريان المال والوصية، فدفعاه إلى أولياء الميت، وجاءا ببعض ماله. وأنكر القوم قلة المال، فقالوا للداريين: إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به، فهل باع شيئا أو اشترى شيئا فوضع فيه؟
أو هل طال مرضه فأنفق على نفسه؟ قالا: لا. قالوا: فإنكما خنتمانا فقبضوا المال ورفعوا أمرهما إلى النبي (ص)، فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم... إلى آخر الآية. فلما نزل: أن يحبسا من بعد الصلاة، أمر النبي (ص) فقاما بعد الصلاة، فحلفا بالله رب السماوات ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به، وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله، إنا إذن لمن الآثمين فلما حلفا خلي سبيلهما. ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت، فأخذ الداريان فقالا: اشتريناه منه في حياته وكذبا، فكلفا البينة فلم يقدرا عليها. فرفعوا ذلك إلى النبي (ص)، فأنزل الله تعالى: فإن عثر يقول: فإن اطلع على أنهما استحقا إثما، يعني الداريين إن كتما حقا، فآخران من أولياء الميت يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان، فيقسمان بالله إن مال صاحبنا كان كذا وكذا، وإن الذي يطلب قبل الداريين لحق، وما اعتدينا، إنا إذن لمن الظالمين. هذا قول الشاهدين أولياء الميت، ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، يعني: الداريين والناس أن يعودوا لمثل ذلك.
قال أبو جعفر: ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا دليل واضح على صحة ما قلنا من أن حكم الله تعالى باليمين على الشاهدين في هذا الموضع، إنما هو من أجل دعوى ورثته على المسند إليهما الوصية خيانة فيما دفع الميت من ماله إليهما، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيها المدعي ذلك قبله إلا بيمين، وإن نقل اليمين إلى ورثة الميت، بما أوجبه الله تعالى بعد أن عثر على الشاهدين أنهما استحقا إثما في أيمانهما، ثم ظهر على كذبهما فيها، إن القوم ادعوا فيما صح أنه كان للميت دعوى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الاملاك، مما يكون اليمين فيها على ورثة الميت دون المدعى، وتكون البينة فيها على المدعي وفساد ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل. وفيها أيضا البيان الواضح على أن معنى الشهادة التي ذكرها الله تعالى في أول هذه القصة إنما هي اليمين، كما قال الله تعالى