في مواضع أخر: والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فالشهادة في هذا الموضع معناها القسم من قول القائل: أشهد بالله إنه لمن الصادقين، وكذلك معنى قوله: شهادة بينكم إنما هو قسم بينكم، إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية أن يقسم اثنان ذوا عدل منكم إن كانا ائتمنا على ما قال، فارتيب بهما، أو ائتمن آخران من غير المؤمنين فاتهما. وذلك أن الله تعالى لما ذكر نقل اليمين من اللذين ظهر على خيانتهما إلى الآخرين، قال: فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما. ومعلوم أن أولياء الميت المدعين قبل اللذين ظهر على خيانتهما، غير جائز أن يكون شهداء بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حق مدعى عليه لمدع، لأنه لا يعلم لله تعالى حكم قضى فيه لاحد بدعواه، ويمينه على مدعى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه ولا برهان. فإذا كان معلوما أن قوله: لشهادتنا أحق من شهادتهما إنما معناه: قسمنا أحق من قسمهما، وكان قسم اللذين عثر على أنهما أثما هو الشهادة التي ذكر الله تعالى في قوله: أحق من شهادتهما صح أن معنى قوله: شهادة بينكم بمعنى الشهادة في قوله: لشهادتنا أحق من شهادتهما وأنها بمعنى القسم.
واختلفت القراء في قراءة قوله: من الذين استحق عليهم الأوليان فقرأ ذلك قراء الحجاز والعراق والشام: من الذين استحق عليهم الأوليان بضم التاء. وروي عن علي وأبي بن كعب والحسن البصري أنهم قرأوا ذلك: من الذين استحق عليهم بفتح التاء.
واختلفت أيضا في قراءة قوله: الأوليان فقرأته عامة قراء أهل المدينة والشام والبصرة: الأوليان، وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة: الأولين. وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك: من الذين استحق عليهم الأولان.
وأولى القراءتين بالصواب في قوله: من الذين استحق عليهم قراءة من قرأ بضم التاء، لاجماع الحجة من القراء عليه، مع مساعدة عامة أهل التأويل على صحة تأويله، وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله: فآخران من أهل الميت الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الاثم فيهم، يقومان مقام المستحق الاثم فيهما بخيانتهما ما خانا من مال الميت. وقد ذكرنا قائل ذلك أو أكثر قائليه فيما مضى قبل، ونحن ذاكرو باقيهم إن شاء الله تعالى ذلك.