بعد ذلك دعاه - عن طريق المنطق الواضح - إلى اتباعه، فقال: يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا فإني قد وعيت أمورا كثيرة عن طريق الوحي، وأستطيع أن أقول باطمئنان: إني سوف لا أسلك طريق الضلال والخطأ، ولا أدعوك أبدا إلى هذا الطريق المعوج، فإني أريد سعادتك وفلاحك، فاقبل مني لتنجو وتخلص من العذاب وتصل بطيك هذا الصراط المستقيم إلى المحل المقصود.
ثم يعطف نظره إلى الجانب السلبي من القضية بعدما ذكر بعدها الايجابي ويشير إلى الآثار التي تترتب على مخالفة هذه الدعوة، فيقول: يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا.
من الواضح أن العبادة هنا لا تعني السجود والصلاة والصوم للشيطان، بل بمعنى الطاعة واتباع الأوامر، وهذا بنفسه يعتبر نوعا من العبادة.
روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: " من أصغى إلى ناطق فقد عبده، فإن كان الناطق عن الله فقد عبد الله، وإن كان الناطق عن إبليس فقد عبد إبليس " (1).
إن إبراهيم يريد أن يعلم أباه هذه الحقيقة، وهي أن الإنسان لا يمكن أن يكون فاقدا لخط ومنهج في حياته، فإما سبيل الله والصراط المستقيم، وإما طريق الشيطان العاصي الضال، فيجب عليه أن يفكر بصورة صحيحة ويصمم، وأن يختار ما فيه خيره وصلاحه بعيدا عن العصبية والتقاليد العمياء.
ثم يذكره وينبه مرة أخرى بعواقب الشرك وعبادة الأصنام المشؤومة، ويقول: يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا.
إن تعبير إبراهيم هذا رائع جدا، فهو من جانب يخاطب عمه دائما ب يا أبت وهذا يدل على الأدب واحترام المخاطب، ومن جانب آخر فإن قوله أن يمسك توحي بأن إبراهيم كان قلقا ومتأثرا من وصول أدنى أذى إلى آزر، ومن