كنا نعلم أن الفتى - في حال بقائه - سوف يكون سببا لأحداث أليمة تقع لأبيه وأمه في المستقبل.
أما لماذا استخدم ضمير المتكلم في حالة الجمع، بينما كان المتكلم فردا واحدا، فإن سبب ذلك واضح، حيث أنها ليست المرة الأولى التي يستخدم القرآن هذه الصيغة، ففي كلام العرب عندما يتحدث الأشخاص الكبار عن أنفسهم فإنهم يستخدمون ضمير الجمع. والسبب في ذلك أن هؤلاء الأشخاص يملكون أشخاصا تحت أيديهم ويعطونهم الأوامر لتنفيذ الأعمال، فالله يعطي الأوامر للملائكة، والإنسان يعطي الأوامر للذين هم تحت يديه.
ثم تحكي الآيات على لسان العالم قوله: فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما.
إن تعبير (أردنا) و (ربهما) يطوي معاني كبيرة سوف نقف عليها بعد قليل.
(زكاة) هنا بمعنى الطهارة والنظافة، ولها مفهوم واسع حيث تشمل الإيمان والعمل الصالح، وتتسع للأمور الدينية والمادية، وقد يكون في هذا التعبير ما هو جواب على اعتراض موسى (عليه السلام) الذي قال: أقتلت نفسا زكية.... فقال له العالم في الجواب: إن هذه النفس ليست زكية، وأردنا أن يبدلهما ربهما ابنا طاهرا بدلا عن ذلك.
وفي روايات عديدة نقرأ " أبدلهما الله به جارية ولدت سبعين نبيا " (1).
في آخر آية من الآيات التي نبحثها، كشف الرجل العالم عن السر الثالث الذي دعاه إلى بناء الجدار فقال: وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا.
فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما.
رحمة من ربك.