2 بحوث 3 1 - هل أبدى الرسول ليونة إزاء المشركين؟
بالرغم من أن بعض السطحيين أرادوا الاستفادة من هذه الآيات لنفي العصمة عن الأنبياء، وقالوا أنه طبقا للآيات أعلاه وأسباب النزول المرتبطة بها إن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أبدى ليونة إزاء عبدة الأصنام، وأن الله عاتبه على ذلك. إلا أن هذه الآيات صريحة في افهام مقصودها بحيث لا تحتاج إلى شواهد أخرى على بطلان هذا النوع من التفكير، لأن الآية الثانية تقول وبصراحة: ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا. ومفهوم التثبيت الإلهي (والذي نعتبره بأنه العصمة) أنه منع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من التوجه إلى مزالق عبدة الأصنام، ولا يعني ظاهر الآية - في حال - أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مال إلى المشركين، ثم نهي عن ذلك بوحي من الله تعالى.
وتوضيح ذلك، إن الآية الأولى والثانية هما في الحقيقة إشارة إلى حالتين مختلفتين للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، الحالة الأولى هي الحالة البشرية والإنسانية والتي تجلت بشكل واضح في الآية الأولى، وبمقتضى هذه الحالة يمكن تأثير وساوس الأعداء في الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) خاصة إذا كانت ثمة مرجحات في إظهار الليونة والتوجه إليهم، من قبيل رغبته (صلى الله عليه وآله وسلم) في أن يسلم زعماء الشرك بعد إظهار الليونة، أو أن يمنع بذلك سفك الدماء. والآية تكشف عن احتمال وقوع الإنسان العادي ومهما كان قويا تحت تأثير الأعداء.
أما الآية الثانية فهي ذات طبيعة معنوية، إذ هي تبين العصمة الإلهية ولطفه الخاص سبحانه وتعالى الذي يشمل به الأنبياء خصوصا نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما يمر بمنعطفات ومزالق دقيقة.
والنتيجة أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالطبع البشري قد وصل إلى حافة القبول ببعض وساوس الأعداء، إلا أن التأييد الإلهي (العصمة) ثبته وحفظه وأنقذه من الانزلاق.