أما ما يذكره القرآن من أن هؤلاء في شك وتردد من هذه المسألة، فربما كان إشارة إلى أنصار وأعداء المسيح (عليه السلام)، وبتعبير آخر: إشارة إلى اليهود والنصارى، فمن جهة شككت جماعة ضالة بطهارة أمه وعفتها، ومن جهة أخرى شك قوم في كونه إنسانا، حتى أن هذه الفئة قد انقسمت إلى مذاهب متعددة، فالبعض اعتقد بصراحة أن ابن الله - الابن الروحي والجسمي الحقيقي لا المجازي! - ومن ثم نشأت مسألة التثليث والأقانيم الثلاثة.
والبعض اعتبر مسأله التثليث غير مفهومة وواضحة من الناحية العقلية، واعتقدوا بوجوب قبولها تعبدا، والبعض الآخر تخبط بكلام لا أساس له في سبيل توجيه المسألة منطقيا. والخلاصة: فإن هؤلاء جميعا لما لم يروا الحقيقة - أو أنهم لم يطلبوها ولم يريدوها - سلكوا طريق الخرافات والأساطير (1)!
وتقول الآية التالية بصراحة: ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمر فإنما يقول له كن فيكون وهذا إشارة إلى أن اتخاذ الولد - كما يظن المسيحيون في شأن الله - لا يناسب قداسة مقام الألوهية والربوبية، فهو يستلزم من جهة الجسمية، ومن جانب آخر المحدودية، ومن جهة ثالثة الاحتياج، وخلاصة القول: تنزيل الله سبحانه من مقام قدسه إلى إطار قوانين عالم المادة، وجعله في حدود موجود مادي ضعيف ومحدود.
الله الذي له من القوة والقدرة ما إذا أراد فإن آلاف العوالم كعالمنا المترامي الأطراف ستتحقق بأمر وإشارة منه، ألا يعتبر شركا وانحرافا عن أصول التوحيد ومعرفة الله بأن نجعله سبحانه كإنسان له ولد؟ وولد أيضا الولد في مرتبة ودرجة الأب، ومن نفس طرازه!