تصوروا هل يمكن شرب الماء الذي إذا اقترب من الوجه فإن حرارته ستشوي الوجه؟ إن ذلك بسبب أنهم شربوا في الدنيا أنواع المشروبات المنعشة والباردة، في حين أنهم أججوا في قلوب المحرومين نيرانا، إن هذه النار هي نفسها التي تجسدت في الآخرة بهذا الشكل.
والطريف في أمر هؤلاء أن القرآن ذكر لهم بعض " التشريفات " وهم في جهنم. لقد كان لهؤلاء في حياتهم الدنيا (سرادق) عالية وباذخة ليس فيها نصيب للفقراء، وهذه السرادق ستتحول إلى خيام عظيمة من لهيب نار جهنم!
وفي هذه الدنيا تتوفر لديهم أنواع المشروبات التي تحضر بين أيديهم بمجرد مناداة الساقي، وفي جهنم يوجد أيضا ساق وأشربة، أما ما هو نوع الشراب؟ إنه ماء كالمعدن المذاب! حرارته كحرارة دموع اليتامى وآهات المستضعفين والفقراء الذين ظلمهم هؤلاء الأغنياء! نعم، إن كل ما هو موجود هناك (في الآخرة) هو تجسيد لما هو موجود هنا (في الدنيا).
وبما أن أسلوب القرآن أسلوب تربوي وتطبيقي، فإنه بعدما بين أوصاف وجزاء عبيد الدنيا، ذكر حال المؤمنين الحقيقيين وجوائزهم الثمينة الغالية التي تنتظرهم جزاء ما فعلوا. لقد أجملت الآية كل ذلك بشكل مختصر، ثم بشكل تفصيلي نوعا ما.
ففي البدء قال تعالى: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا أي إننا لا نضيع أعمال العاملين قليلة كانت أو كثيرة، كلية أو جزئية، ومن أي شخص وفي أي عمر كان:
أولئك لهم جنات عدن (الجنات الخالدة).
تجري من تحتهم الأنهار (من تحت الأشجار والقصور).
يحلون فيها من أساور من ذهب (1).