في تلك المدينة بصورة دائما وقلما خرجت منها.
ومهما كان فقد انتهت مدة الحمل، وبدأت لحظات تلاطم أمواج حياة مريم، وقد دفعها ألم الولادة الشديد الذي هاج فيها إلى ترك الأماكن المعمورة والتوجه إلى الصحاري الخالية من البشر، والقاحلة التي لا عشب فيها ولا ماء ولا مأوى.
ومع أن النساء يلجأن عادة في مثل هذه الحالة إلى المعارف والأصدقاء ليساعدوهن على الولادة، إلا أن وضع مريم لما كان استثنائيا، ولم تكن تريد أن يرى أحد وضع حملها مطلقا، فإنها اتخذت طريق الصحراء بمجرد أن بدأ ألم الولادة ويقول القرآن في ذلك: فأجاءها المخاض إلى جذع نخلة.
إن التعبير بجذع النخلة، وبملاحظة أن الجذع يعني بدن الشجرة، يوحي بأنه لم يبق من تلك الشجرة إلا جذعها وبدنها، أي إن الشجرة كانت يابسة (1).
في هذا الحال غمر كل وجود مريم الطاهر سيل من الغم والحزن، وأحسست بأن اللحظة التي كانت تخشاها قد حانت، اللحظة التي مهما أخفيت فإنها ستتضح هناك، وسيتجه نحوها سيل سهام الاتهام التي سيرشقها بها الناس.
لقد كان هذا الاضطراب والصراع صعبا جدا، وقد أثقل كاهلها إلى الحد الذي تكلمت فيه بلا إرادة وقالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا.
إن من البديهي أن الخوف من التهم في المستقبل لم يكن الشئ الوحيد الذي كان يعصر قلب مريم ويقلقها، وإن كان هذا الموضوع يشغل فكر مريم أكثر من أية مسألة أخرى، إلا أن مشاكل ومصائب أخرى كوضع الحمل لوحدها بدون قابلة وصديق ومعين في الصحاري الخالية، وعدم وجود مكان للاستراحة، وعدم وجود الماء للشرب، والطعام للأكل، وعدم وجود وسيلة لحفظ المولود الجديد، وغير هذه الأمور كانت تهزها من الأعماق بشدة.
قد يتساءل البعض باعتراض: كيف أن مريم المؤمنة والعارفة بالتوحيد