فإن (شطط) تقال للكلام البعيد عن الحق، ويقال لحواشي وضفاف الأنهار الكبيرة (شط) لكونها بعيدة عن الماء، وكونها ذات جدران مرتفعة.
وفي الواقع، إن هؤلاء الفتية المؤمنين ذكروا دليلا واضحا لإثبات التوحيد ونفي الآلهة. وهو قولهم: إننا نرى وبوضوح أن لهذه السماوات والأرض خالقا واحدا، وأن نظام الخلق دليل على وجوده، وما نحن إلا جزء من هذا الوجود، لذا فإن ربنا هو نفسه رب السماوات والأرض.
ثم ذكروا دليلا آخر وهو: هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة.
فهل يمكن الاعتقاد بشئ بدون دليل وبرهان؟: لولا يأتون عليهم بسلطان بين.
وهل يمكن أن يكون الظن أو التقليد الأعمى دليلا على مثل هذا الاعتقاد؟
ما هذا الظلم الفاحش والانحراف الكبير: فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا.
وهذا الافتراء هو ظلم للنفس، لأن الإنسان يستسلم حينئذ لأسباب السقوط والشقاء، وهو أيضا ظلم بحق المجتمع الذي تسري فيه هذه الانحرافات، وأخيرا هو ظلم لله وتعرض لمقامه العظيم سبحانه وتعالى.
هؤلاء الفتية الموحدون قاموا بما يستطيعون لإزالة صدأ الشرك عن قلوب الناس، وزرع غرسة التوحيد في مكانها، إلا أن ضجة عبادة الأصنام في ذلك المحيط الفاسد، وظلم الحاكم الجبار كانتا من الشدة بحيث حبستا أنفاس عبادة الله في صدورهم وانكمشت همهمات التوحيد في حناجرهم.
وهكذا اضطروا للهجرة لانقاذ أنفسهم والحصول على محيط أكثر استعدادا وقد تشاوروا فيما بينهم عن المكان الذي سيذهبون إليه ثم كان قرارهم: وإذا اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف. حتى: ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا.
" يهيئ " مشتقة من " تهيئة " بمعنى الإعداد.