سورة القصص إن شاء الله تعالى هنا حيث يقول القرآن الكريم: وقتلت نفسا فنجيناك من الغم وفتناك فتونا فبعد حادثة القتل اختبرناك كثيرا وألقينا بك في اتون الحوادث والشدائد فلبثت سنين في أهل مدين وبعد اجتياز هذا الطريق الطويل، والاستعداد الروحي والجسمي، والخروج من دوامة الأحداث بشموخ وانتصار فقد جئت على قدر يا موسى. أي حيث لاستلام مهمة الرسالة في زمان مقدر إلى هذا المكان.
إن كلمة " قدر " - برأي كثير من المفسرين - تعني الزمان الذي قدر فيه أن ينتخب موسى للرسالة. إلا أن البعض اعتبرها بمعنى المقدار، كما جاء هذا المعنى في بعض الآيات القرآنية، كالآية (21) من سورة الحجر، وطبقا لهذا التفسير سيكون معنى الآية: يا موسى إنك قد نشأت وأصبحت - بعد تحمل هذه المصاعب والامتحانات وعشت سنين في بيت نبي كبير كشعيب - ذا قدر ومقام وشخصية، وحصلت على استعداد لتلقي الوحي.
ثم يضيف: واصطنعتك لنفسي فمن أجل مهمة تلقي الوحي الصعبة، ومن أجل قبول الرسالة، ومن أجل هداية العباد وإرشادهم ربيتك واختبرتك في الحوادث الصعبة ومشاقها، ومنحتك القوة والقدرة، والآن حيث ألقيت هذه المهمة الكبرى على عاتقك، فإنك مؤهل من جميع الجوانب.
" اصطناع " من مادة " صنع " بمعنى الأصرار والاقدام الأكيد على اصلاح شئ (كما يراه الراغب في مفرداته). ويعني إنني قد أصلحتك من كل الجهات وكأنني أريدك لي وهذا الكلام هو أكثر ما يمكن أن يقال في تصوير محبة الله لهذا النبي العظيم، وذهب البعض أنه يشبه ما قاله الحكماء من: إن الله إذا أحب عبدا تفقده كما يتفقد الصديق صديقه.
نهاية المجلد التاسع * * *