لقد خطرت في ذهن مريم في اللحظات الأولى هذه الأفكار، وتصورت بأن كل وجودها وكيانها وماء وجهها مهدد بالخطر أمام هؤلاء الناس الجهلاء نتيجة ولادة هذا المولود، وفي هذه اللحظات تمنت الموت، وهذا بحد ذاته دليل على أنها كانت تحب عفتها وطهارتها وتهتم بهما أكثر من روحها، وتعتبر حفظ ماء وجهها أغلى من حياتها.
إلا أن مثل هذه الأفكار ربما لم تدم إلا لحظات قصيرة جدا، ولما رأت ذينك المعجزتين الإلهيتين - انبعاث عين الماء، وحمل النخلة اليابسة - زالت كل تلك الأفكار عن روحها، وغمر قلبها نور الاطمئنان الهدوء.
3 3 - سؤال وجواب يسأل البعض: إن المعجزة إذا كانت مختصة بالأنبياء والأئمة (عليهم السلام)، فكيف ظهرت مثل هذه المعجزات لمريم؟
وقد اعتبر بعض المفسرين - حلا لهذا الإشكال - هذه المعاجز جزءا من معاجز عيسى تحققت كمقدمة، ويعبرون عن ذلك بالإرهاص.
إلا أنه لا حاجة لجواب كهذا أبدا، لأنه لا مانع مطلقا من ظهور الأمور الخارقة للعادة لغير الأنبياء والأئمة، وهذا هو الذي نسميه بالكرامة.
إن المعجزة هي عمل يقترن بالتحدي، وتكون مقترنة بادعاء النبوة والإمامة.
3 4 - صوم الصمت يدل ظاهر الآيات أعلاه على أن مريم كانت مأمورة بالسكوت لمصلحة، وأن تمتنع عن الكلام بأمر الله في هذه المدة المعينة، حيت تتحرك شفتا وليدها عيسى بالكلام ويدافع عن عفتها، وهذا أكثر تأثيرا من كل الجهات.
ويظهر من تعبير الآية أن نذر السكوت كان أمرا معروفا في ذلك المجتمع،