ومثله معه لافتدوا به.
لا توجد صيغة أوضح من هذه الآية في بيان شدة عذابهم وعقابهم، يمتلك الإنسان كل ما في الأرض وضعفه أيضا ويفتدي به للنجاة ولا يحصل النجاة.
تشير هذه الجملة في الواقع إلى آخر أمنية والتي لا يمكن أن يتصور أكثر منها، وهي أن يمتلك الإنسان كل ما في الأرض، ولكن شدة العذاب للظالمين ومخالفي الحق تصل بهم إلى درجة أن يفتدوا بكل هذه الأمنية أو بأكثر منها لنجاتهم. ولنفرض إنها قبلت منهم فتكون نجاتهم من العذاب فقط، ولكن الثواب العظيم يكون من نصيب الذين استجابوا لدعوة الحق.
ومن هنا يتضح أن العبارة ومثله معه ليس المقصود منها أن يكون لهم ضعف ما في الأرض، بل أنهم مهما ملكوا أكثر من ذلك فإنهم مستعدون للتنازل عنه مقابل نجاتهم من العذاب. ودليله واضح، لأن الإنسان يطلب كل شئ لمنفعته، ولكن عندما يجد نفسه غارقا في العذاب فما فائدة تملكه للدنيا كلها؟
وعلى أثر هذا الشقاء (عدم قبول ما في الأرض مقابل نجاتهم) يشير القرآن الكريم إلى شقاء آخر أولئك لهم سوء الحساب.
فما هو المقصود من سوء الحساب؟
للمفسرين آراء مختلفة حيث يعتقد البعض أنه الحساب الدقيق بدون أي عفو أو مسامحة، فسوء الحساب ليس بمفهوم الظلم، لأن الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق، ويؤيد هذا المعنى الحديث الوارد عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال لرجل: " يا فلان مالك ولأخيك؟ " قال: جعلت فداك كان لي عليه حق فاستقصيت منه حقي إلى آخره، وعنده سماع الإمام لهذا الجواب غضب وجلس ثم قال:
" كأنك إذا استقصيت حقك لم تسئ إليه! أرأيت ما حكى الله عز وجل ويخافون سوء الحساب أتراهم يخافون الله أن يجور عليهم؟! لا والله ما خافوا إلا الاستقصاء