الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه إلا لضرورة قال المحقق في المعتبر ولا يجوز بالخروج من الموضع الذي اعتكف فيه إلا لما لا بد منه وعليه اتفاق العلماء وقال العلامة في المنتهى لا يجوز للمعتكف الخروج من الموضع الذي اعتكف فيه إلا لضرورة وهو قول العلماء كافة وقال في التذكرة على ما نقل عنه أنه إجماع العلماء كافة ويدل عليه أيضا ما رووه عن عايشة قالت السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لا بد منه وقالت أيضا كان رسول الله صلى الله عليه وآله إذا اعتكف يدني إلى رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الانسان قال في المنتهى المراد بحاجة الانسان البول والغايط كنى بذلك عنهما لعموم الحاجة إليهما وما رواه عبد الله بن سنان في الصحيح عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال ليس للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا إلى الجمعة أو جنازة أو غايط وما رواه داود بن سرحان في الصحيح على ما في الفقيه قال كنت بالمدينة في شهر رمضان فقلت لأبي عبد الله أني أريد أن اعتكف فماذا أقول وماذا أفرض على نفسي فقال لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لا بد منها ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك وما تقدم في بحث اشتراط المسجد من صحيحتي داود بن سرحان والحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) وموثقة عبد الله بن سنان عنه (عليه السلام) ثم المراد بعدم جواز الخروج لا يمكن أن يكون حرمة الخروج شرعا لان الاعتكاف المندوب لا يجب بالشروع فيه عند الأكثر وحمله على حرمة الخروج بدون فسخ الاعتكاف وإرادة تركه مستبعد جدا وكذا تخصيصه بالاعتكاف الواجب فالظاهر كما يشعر به كلام المتن و بعض كلماتهم إن المراد به اشتراط لزوم المسجد في الاعتكاف والوجوب الشرطي لعدم الخروج بالنسبة إليه ولكن المحقق في المعتبر والعلامة في المنتهى فرعا على تلك المسألة إنه لو خرج لغير عذر بطل اعتكافه لان الاعتكاف لبث في المسجد للعبادة فالخروج مناف له وذلك لا يلايم هذا المعنى إلا أن يكون الغرض التنصيص على المراد وبيان له ولعل حاصل ذلك التعليل إن المفهوم شرعا من حقيقة الاعتكاف على ما يظهر من الآيات الكريمة والاخبار الشريفة و نقل الأصحاب وعملهم ليس إلا اللبث في المسجد للعبادة فلا يمكننا الحكم بصحته مع الخروج عن المسجد إلا فيما ورد فيه تجويز من الشارع لمنافاة الخروج للمفهوم منه وللواصل إلينا منه من الشارع مع أصالة اعتبار التلقي في العبادة كما هو المعلوم المقرر في الشريعة وظاهر كلام خالي طاب ثراه أنه حمل عدم جواز الخروج على الحرمة الشرعية له حيث قال لا اعرف خلافا في عدم جواز الخروج من غير ضرورة ونقل دعوى الاجماع من المحقق والعلامة وذكر الاخبار ثم قال ودلالة هذه الأخبار على التحريم غير واضحة إلا أنه يمكن أن يستعان في ذلك بعمل الأصحاب والشهرة والاجماع المنقول ثم تكلم في مسألة بطلان الاعتكاف بالخروج وعندي أن ذلك ذهول عن مقصود القوم كما عرفت إلا لضرورة استثناء عن حكم بطلان الاعتكاف بالخروج عن المسجد والخروج للضرورة كالخروج للتخلي قال في المنتهى يجوز له أن يخرج للبول والغايط وقد أجمع أهل العلم على ذلك لان هذا لا بد منه ولا يجوز فعله في المسجد فلو بطل الاعتكاف بخروجه إليه لم يصح لاحد الاعتكاف والأخبار السابقة أيضا تدل عليه وكالخروج لغسل النجاسة العارضة إن لم يمكن أزالتها في المسجد بدون تعدي النجاسة إلى المسجد و كالخروج للاغتسال للاحتلام والاستحاضة دون الغسل المندوب لجواز فعله في المسجد كالوضوء ويجب أن يبادر المحتلم إلى الخروج ويكون خروجه بالتيمم إن كان في المسجدين ولو أمكن الغسل الواقع للحدث في المسجد على وجه لا يتعدى إليه النجاسة فيحتمل عدم الجواز لما فيه من الامتهان المنافي لاحترام المسجد واحتمل صاحب المدارك الجواز كما في الوضوء والغسل المندوب وجزم في المسالك بالجواز وتردد في تعين فعله في المسجد وقال العلامة في المنتهى لو احتلم وجب عليه أن يبادر إلى الغسل لان الجنب يحرم عليه الاستيطان في المسجد ولا يلزمه الغسل في المسجد وإن أمكن وكالخروج لتحصيل المأكول والمشروب ونحوهما مما اضطر إليه ولا يتيسر له التحصيل بدو الخروج وجوز العلامة في التذكرة على ما نقل عنها والشهيد الثاني في المسالك الخروج للاكل أيضا إذا كان عليه في الاكل فيه غضاضة بخلاف الشرب إذ لا غضاضة فيه ولا بعد تركه من المروة وينبغي تقييد جواز الخروج للاكل أيضا بما إذا لم يمكن دفع الغضاضة بالاستتار في المسجد ومع ذلك فلا يخلو عن تأمل والاحتياط في تركه إذ قد يتضمن بعض العبادات كالاحرام وبعض أفعال الحج ترك مراعاة الاحتشام لاصلاح حال النفس ورفع الكبر عنها ثم الضابط الخروج إلى كل ما لا بد منه ولا يمكن فعله في المسجد بحسب حاله شرعا كما يدل عليه ما مر في الاخبار من قول الصادق (عليه السلام) إلا لحاجة لا بد منها وحمل الحاجة على خصوص التخلي لا وجه له أو تشييع جنازة ولعل التعبير بشهادة الجنازة كما وقع في بعض عباراتهم أولى وأوفق لما وقع مطلقا في النص من قول الصادق (عليه السلام) لجنازة في صحيحة الحلبي وقوله (عليه السلام) أو جنازة في صحيحة عبد الله بن سنان المتقدمتين فيشمل الصلاة عليها ودفنها أيضا والظاهر كما يفهم من المنتهى عدم الخلاف في جواز ذلك عند علمائنا وخالف بعض العامة لما روى عن عايشة أنها قالت السنة على المعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج لحاجة إلا لما لا بد منها وفيه أنه غير مستند إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وقول عايشه ليست حجة مع أنه معارض بما رووه عن عاصم بن حمزة عن قول علي (عليه السلام) قال إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة ليعد المريض وليحضر الجنازة وليأت أهله وليأمرهم بالحاجة وهو قائم ونقل عن التذكرة اشتراط تعين ذلك فلا يجوز الخروج بدونه ولا وجه له مع إطلاق النصوص وأولوية جواز أحكام الميت
(٤٩٧)