إن الظاهر أنهم لا يجوزونه له فلا بد من التمسك بالمنع المستفاد من الخبر وأما حكم جواز الصلاة أين شاء بمكة فلما قاله في المنتهى من أنه قول علمائنا لأنها حرم فلها حرمة ليست لغيرها ولما روى في الفقيه صحيحا عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) بمكة يصلي في أي بيوتها شاء سواء عليه في المسجد صلى أو في بيوتها والخبر في الكافي والتهذيب أيضا من دون ذكر الإمام (عليه السلام) وما روى في الكافي والتهذيب صحيحا عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء والمعتكف في غيرها لا يصلي إلا في المسجد الذي سماه وما تقدم من موثقة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول المعتكف بمكة يصلي في أي بيوتها شاء سواء عليه صلى في المسجد أو في بيوتها وقال لا يصلح العكوف في غيرها إلا أن يكون مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله أو في مسجد من مساجد الجماعة ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء فإنها كلها حرم الله ولا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجة وظاهر هذه الأخبار جواز العكوف بمكة مطلقا والصلاة في أي بيت شاء منها لأنها كلها حرم الله تعالى وفي حكم معتكفه ولو لم نقل بجواز العكوف بها أيضا في غير المسجد فلا ريب في أن ظاهر الاخبار جواز الصلاة للمعتكف فيها في أي بيت شاء منها مطلقا ولكن الأصحاب حملوها على جواز الصلاة خارج المسجد الذي اعتكف فيه بمكة إذا خرج عنه لضرورة وحضر وقت الصلاة بخلاف غير مكة فإنه لا يجوز الصلاة فيه خارج المسجد إلا عند ضيق الوقت وذلك لما استقر عليه رأيهم واستفادوا من الاخبار الاخر من عدم جواز العكوف في غير المسجد وعدم جواز الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه إلا لضرورة كما مر مفصلا وقال الشيخ في التهذيب بعد ذكر موثقة عبد الله بن سنان قوله (عليه السلام) فإنه يعتكف بمكة حيث شاء إنما يريد به يصلي صلاة الاعتكاف ألا ترى أنه شرع في بيان صلاة المعتكف فقال ولا يصلي المعتكف في بيت غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يعتكف بمكة حيث شاء فلو لا إن المراد به ما ذكرناه لما حسن استثناؤه من حكم الصلاة ولكان الكلام الثاني غير متعلق بالأول ويكون تقدير الكلام على ما قلناه ولا يصلي المعتكف في غير المسجد الذي اعتكف فيه إلا بمكة فإنه يصلي في غير المسجد الذي اعتكف فيه بها وبهذا يتميز من ساير المواضع انتهى وبعد ما ذكره من التأويل عن اللفظ واضح وعلى الاحتمال الذي ذكرناه لا يحتاج الكلام إلا على تقدير بعد قوله (عليه السلام) فإنها كلها حرم الله والمقدر فيصلي فيها أين شاء وتقدير أمثال هذه التفريعات في الكلام غير عزيز ولكن العمل على ما ذكره الأصحاب والاحتياط فيه ولو طلقت المعتكفة رجعية اعتدت في منزلها مع عدم تعين الزمان للاعتكاف بأن يكون مندوبا ولم يمض يومان أو واجبا مطلقا أو مع شرطها الحل عند العارض وذلك لتعين الاعتداد عليها في المنزل بالنص والاجماع ولا يتم إلا بالخروج ولا مانع عنه في الصور المفروضة فيجب عليها وإلا يكن كذلك بل يكون واجبا على التعيين مع عدم اشتراط الحل عند العارض ففي المسجد تعتد زمن الاعتكاف ولا يجوز لها الخروج عنه لتعين الاعتكاف عليها ولا يتم إلا باللبث فيه فيجب ولأن دين الله أحق أن يقضى كما قاله في المسالك وأطلق أكثر الأصحاب إن المعتكفة إذا أطلقت رجعية اعتدت في منزلها من غير تعرض لهذا التفصيل وقال في التذكرة أنه مذهب علمائنا أجمع واستدل عليه بقوله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن وبأن الاعتداد في البيت واجب فيجب عليها الخروج إليه كالجمعة في حق الرجل وفيه أن انعقاد الاجماع في صورة التعين غير ظاهر ووجوب الرجوع إلى البيت المستفاد من النهي الوارد عن الخروج عن البيت في الآية الكريمة يعارضه وجوب اللبث المستفاد من وجوب المضي في الاعتكاف الواجب على التعين كما هو معلوم في الشريعة مع رجحان جانب الاعتكاف لسبق وجوبه وأيضا أنهم يقولون بالخروج عن البيت في العدة للحج الواجب والتشبيه بالجمعة إن كان من باب القياس فغير معمول به وإن كان باعتبار الاشتراك في الدليل أي العمومات الواردة في الخروج لأمثال هذه الضرورات فلا يبعد أن يقال إن المتبادر منها الخروج في الأزمنة القليلة التي لا يوجب انمحاء هيئة الاعتكاف ونحوها وما أفاده في المسالك من أن دين الله أحق أن يقضى فلا يخلو أيضا عن نظر لان وجوب اللبث في البيت للاعتداد أيضا حكم الله وحقه جل اسمه وكان غرضه إن هذا الوجوب لمراعاة جانب البشر بخلاف العبادة فإنها بمحض القربة والمسألة لا يخلو عن إشكال وقال الشيخ (ره) في المبسوط إذا طلقت المعتكفة أو مات زوجها فخرجت واعتدت في بيتها استقبلت الاعتكاف ولا وجه للخروج لعدة الوفاة إلا أن يقال إن غرضه ليس جواز الخروج بل الحكم بالاستقبال لو خرج وهو بعيد ولو أخرج عن المسجد كرها ظلما ففي بطلان الاعتكاف أوجه البطلان مطلقا وعدمه مطلقا وثالثها البطلان بطول الزمان بحيث يخرج عن كونه معتكفا وإلا فلا والأول قول المحقق والعلامة في بعض كتبه نظرا إلى أن الاعتكاف لبث في المسجد للعبادة فالخروج منه مناف له والثاني قول الشيخ قال في المبسوط إذا أخرجه السلطان ظلما لا يبطل اعتكافه وإنما يقضي ما يفوته وإن أخرجه لإقامة حد عليه أو استيفاء دين منه يقدره على قضاءه بطل اعتكافه لأنه أحوج إلى ذلك فكأنه خرج مختارا واستدل له على عدم البطلان بقوله صلى الله عليه وآله رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وبعده توجه النهي إلى هذا الفعل وقد عرفت ما في هذا الدليل في بحث عدم فساد الصوم بالافطار كرها ويمكن استفادة عدم البطلان من العمومات الواردة في الخروج للضرورة وأما التفصيل فذكره العلامة في التذكرة ووجه البطلان بطول زمان الخروج بحيث يخرج عن كونه
(٤٩٩)