واشتراطه بالصوم لا يقتضي إلا تحققه بأي وجه كان ليمكن تحقق المشروط المنذور كما إن ناذر الصلاة لو اتفق كونه متظهرا في الوقت الذي تعلق به النذر لم يفتقر إلى طهارة مستأنفة وقال العلامة في التذكرة على ما نقل عنها لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام مثلا وجب الصوم بالنذر لان ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب وكأنه (ره) أراد لزوم الصوم عليه شرعا لتوقف الاعتكاف الواجب بالنذر عليه وأما الحكم بوجوب إيقاعه بالنذر لأجل الاعتكاف كما هو الظاهر من العبارة فمشكل جدا كما عرفت وقال أيضا في التذكرة لو نذر اعتكافا وأطلق فاعتكف في أيام أراد صومها مستحبا جاز وهذا القول أيضا بظاهره ينافي ما ذكره أولا من وجوب إيقاع الصوم في الاعتكاف المنذور للنذر إلا أن يكون مراده إنه جاز الصوم في هذه الأيام للاعتكاف عن الصيام المرغب فيه شرعا في تلك الأيام ولكنه بعيد عن العبارة غاية البعد وقال الشهيد الثاني في المسالك لا يصح جعل صوم الاعتكاف المنذور مندوبا للتنافي بين وجوب المضي على الاعتكاف الواجب وجواز قطع الصوم المندوب ولا يخلو هذا الكلام عن تأمل أما أولا فلمنع وجوب المضي على الاعتكاف الواجب بالنذر المطلق وأما ثانيا فلان عدم جواز قطع الصوم باعتبار استلزامه للخروج عن الاعتكاف الواجب لا يقضي وجوب أصل الصوم بحسب الشرع وتفصيل ذلك في بحث وجوب المقدمة في علم الأصول ويشترط النية في ابتدائه لأنه عبادة مفتقرة إلى النية ولو قلنا بلزوم التعرض للوجه في النية ففي المندوب ينوي الندب به جملة في ابتدائه وإن قلنا بوجوبه بالدخول أو بمضي اليومين لأنه فعل واحد متصل شرعا لا يعاقب المكلف على تركه رأسا ويثاب على فعله ولا معنى للمندوب إلا ذلك والوجوب الطاري لبعض أجزائه بعد الاتيان بالبعض لا ينافي استحباب أصل الفعل ولا حاجة إلى التعرض لهذا الوجوب الشرطي في النية في ابتداء الفعل لعدم دليل يدل عليه ولا إلى تجديد نية الوجوب بعد مضي اليومين لكفاية نية واحدة للفعل الواحد في أوله ولا يفتقر كل جزء إلى نية على حدة كما هو مقرر معلوم من الشريعة في جملة العبادات واستمرار نية الندب بأصل الفعل في هذا الوقت لا ينافي الوجوب الظاهري لهذا الجزء بخصوصه باعتبار الاتيان بالسابق نعم على تقدير تفريق النية على الأيام والقول بجوازه فينوي بالثالث الوجوب لوجوبه حينئذ لأنه يعاقب على تركه حينئذ ويثاب على فعله وهو الوجوب وقال خالي طاب ثراه تبعا لصاحب المدارك وإن قلنا بوجوبه بعد الشروع أو بعد اليومين وقلنا باعتبار الوجه فالظاهر أنه ينويه كذلك أولا أو يفرق النية فينوي اليومين الأولين ندبا ثم الثالث وجوبا ولا وجه للاشكال في الأول بتقديم النية على محلها لان محل النية أول الفعل غاية الامر اتصف الفعل باعتبار أجزائه بوصفين مختلفين وكذا الأوجه للاشكال في الثاني بأن من شأن العبادة المتصلة أن لا يفرق النية على أجزائها إذ لا وجه للقول بامتناع هذا التفريق وقد اعترفوا بجوازه في الوضوء وما قيل من أن الأصل في الاعتكاف الندب والوجوب عارض فيجوز أن ينوي فيه إجماع ما هو الأصل ضعيف انتهى كلامه رفع مقامه وأقول أما ما ذكره في كيفية النية أولا فضعفه ظاهر إذ لا يمكن قصد الوجوب بالثالث في أول الفعل لعدم وجوبه بعد بل يجوز تركه من غير عقاب وقصد الوجوب الشرطي ليس بقصد الوجه المعتبر في النية وهو ظاهر وأما ما ذكره ثانيا ففيه إن جواز تفريق النية في جميع العبادات يحتاج إلى دليل لا يمكن إقامته وأما ما ذكره أخيرا من الحكم بضعف ما قيل فضعفه ظاهر لامكان إرجاعه إلى ما ذكرناه في كيفية النية وهو في غاية القوة والمتانة وهو أي ابتداؤه قبل طلوع الفجر لدخول شئ من الليل من باب المقدمة وحيث جوز في نية الصوم المقارنة للطلوع كما عرفت فليجوز هنا أيضا فيكون في الأيام الثلاثة التي لا يكون الاعتكاف في أقل منها اتفاقا منا ليلتان أما خروج الليلة الأولى فلان مسمى اليوم هو النهار لأنه المعروف منه عند الاطلاق لغة واستعمالا حتى في القرآن الحكيم لقوله تعالى سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام قال الشيخ في الخلاف اليوم ما بين طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس هكذا ذكر الخليل وغيره من أهل اللغة وأما دخول الليلتين المتوسطتين فلاعتبار الثلاثة المتوالية في الاعتكاف فلو لم تدخل الليلة التي في البين فيجوز الخروج منه وفعل ما ينافيه فيها وينقطع اعتكاف ذلك اليوم عن غيره ويصير منفردا ولو صح ذلك لصح اعتكاف أقل من ثلاثة وهو باطل إجماعا فالليل وإن لم يدخل في مسمى اليوم لكنه هنا يدخل تبعا لتحقق الثلاثة المتوالية وقال الشهيد الثاني طاب ثراه في المسالك فإن قيل يمكن تحقق التوالي باعتكاف النهار خاصة ولا يخرجه الليل عن اسم الموالاة كما يتحقق الموالاة في الصوم مع خروج الليل إجماعا قلنا فرق بين الاعتكاف والصوم فإن الاعتكاف يتحقق ليلا ونهارا ومن ثم لو صرح بإدخال الليالي أو أتى بلفظ يستلزم ادخالها دخلت فإذا لم يدخل الليالي كان قد فرق الاعتكاف فلا يكون متتاليا بخلاف الصوم فإنه لما لم يتحقق في الليل تعين حمل الموالاة فيه على توالي نهار الأيام خاصة لامتناع غيره والحاصل إن الأصل في الموالاة متابعة الفعل الموصوف بها بعضه لبعض بحسب الأمان فلما أمكن في الاعتكاف دخول الليالي المتخللة لم يتحقق الموالاة بدونها ولما لم يمكن ذلك في الصوم حمل على الأقرب أحوال الامكان وهو متابعة النهار في جملة الأيام بعضه لبعض وحينئذ فلا يصح إخراج الليالي عن الاعتكاف بوجه انتهى وما أفاده (ره) في غاية المتانة لا يقال المفهوم من النصوص موالاة الأيام الثلاثة كما يفهم من قوله عليهم السلام لا يكون الاعتكاف أقل من ثلاثة أيام ومسمى اليوم هو النهار كما اعترف به
(٤٩٤)