أنه قال من نذر صوم شهر بالاطلاق فعليه صوم شهر من أي شهور السنة كان فإن أفطر قبل أن يتم نصفه متعمدا من غير ضرورة وجب عليه استيناف الصوم وإن كان لضرورة جاز البناء وإن أفطر بعد مجاوزة نصفه تممه ولا استيناف ومن شرط الموالاة في صوم النذر وجب عليه الصوم كذلك انتهى ويشعر كلامه باطراد حكم مجاوزة النصف في الموالاة وهو خلاف المشهور ولا وجه أيضا للحكم بوجوب التتابع من دون أمر يقتضيه إلا أن يقال إن الشهر لا يطلق عرفا إلا على بين الهلالين وعلى هذا يشكل حكمه بأنه إن أفطر بعد مجاوزة نصفه تتمة ولا استيناف لأنه إذا أفطر بعض أيام الشهر وتممه من شهر آخر لا يصدق عليه أنه صام الشهر سواء كان ذلك قبل مجاوزة النصف أو بعدها ولا وجه لاعتبار حكم الموالاة في ذلك ولو نذر الصوم الواجب كرمضان وقس عليه غير الصوم من الواجبات لم ينعقد نذره عند المرتضى والشيخ والحلبي وابن إدريس وكذا لا ينعقد نذره عندهم لو نذر يوما كالخميس الآتي مثلا فوافق شهر رمضان واحتجوا بأن صومه متعين بأصل الشرع فلا يفيد النذر شيئا والجواب ما يشير إليه المصنف (ره) من أن الفايدة اللطف بالانبعاث والأقرب انعقاد نذر كل واجب للطف بالانبعاث والتقريب إلى الطاعة حذرا من الكفارة والحاصل إن الوجاب طاعة يجوز تعلق النذر به كما يجوز تعلقه بغيره من الطاعات المسنونة وما يتخيل للمنع عدم الفايدة واللطف بالانبعاث الذي ذكرناه أعظم فأيده يترتب عليه فعلى هذا يجوز ترامي النذر كما لو نذر أن يصوم غدا ثم نذر أن يفي بهذا النذر تأكيدا لوجوب صوم الغد وتقريبا للنفس إلى الاتيان به والظاهر متابعة ذلك لقصده فلو تكلم بالصيغة ثانيا بقصد تكرار الصيغة الأولى وتدارك ما يتوهم فيها من الخلل فليس ذلك نذرا على حدة وتتعدد الكفارة بتعدده حيث جوزناه لشمول الأدلة الدالة على وجوب الكفارة لخلف كل نذر صحيح وينبغي التعرض في النية أي نية الفعل الواجب الذي نذر أن يفعله للمؤكد لوجوبه شرعا أي النذر مع الأصل أي الوجوب الذي بأصل الشرع من دون إيجاب المكلف له على نفسه فلو نذر صوم يوم من شهر رمضان مثلا فينبغي أن يتعرض في نية صومه لأنه وجب عليه بأصل الشرع وبسبب النذر أيضا وإذ لا دليل على وجوب التعرض في النية لتلك الخصوصيات كما عرفت في بحث النية قال المصنف (ره) وينبغي ولا يجب إتمام اليوم أو الشهر المنذور مطلقا من غير تعيين بالشروع فيه فلو نذر صوم يوم ودخل في صوم الخميس بقصد الاتيان بالصوم المنذور فلا يجب عليه إتمام صيامه بل يجوز له الافطار أي وقت شاء من النهار والآتيان بالنذر في يوم آخر وكذلك من نذر صوم شهر وشرع في صوم رجب فلا يلزم عليه إكماله سواء قيده بالتتابع أم لا أما مع عدم القيد فظاهر وأما معه فلعدم تعين هذا الشهر عليه فيجوز له أن يتركه ويستأنف شهر آخر خلافا للحلبي حيث أوجب الاتمام والاكمال وحكم بأن المفطر مأزور الظاهر أنه لا يقول بالكفارة وحكى عنه أنه أوجب المضي في كل صوم واجب شرع فيه وحرم قطعه وقد مر منه القول بتحريم إفطار القضاء قبل الزوال أيضا ولعل دليله النهي الوارد في قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم وقد مر البحث عنه ويجب فعله أي فعل الصوم المنذور في مكان عينه بالنذر لوجوب الوفاء بالنذر ولظاهر خبر علي بن أبي حمزة عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال سألته عن رجل جعل على نفسه صوم شهر بالكوفة وشهر بالمدينة وشهر بمكة من بلاء ابتلى به فقضى أنه صام بالكوفة شهرا أو دخل المدينة فصام بها ثمانية عشر يوما ولم يقم عليه الجمال قال يصوم ما بقي عليه إذا انتهى إلى بلده إذ الظاهر من هذا الخبر أن الراوي يعتقد لزوم فعله في المكان الذي عينه ويسأل عن حاله عند عروض مانع يمنعه عن إكماله في ذلك المكان كعدم إقامة الجمال فقرره (عليه السلام) على ذلك وأجاب عن عروض المانع بوجوب الاتيان ببقية الصوم في بلد آخر وفاقا له أي للحلبي وللشيخ في قول قاله في المبسوط بهذه العبارة ومن نذر أن يصوم بمكة أو المدينة أو أحد المواضع المعينة شهر أوجب عليه أن يحضره فإن حضره وصام بعضه ولم يمكنه المقام جاز له الخروج ويقضي إذا عاد إلى أهله ما فاته وله قول آخر نقل عنه أنه قال يصوم أين شاء وقيده الفاضل العلامة في المختلف بالمزية فقال والأقرب أنه إن كان لذلك الموضع مزية كالمواضع التي تمثل بها أبو الصلاح أي مكة والمدينة لزم وإلا فلا لنا أن متعلق النذر إنما يجب الوفاء به لو كان طاعة ولا طاعة في تعيين الأمكنة التي لا تختص بمزية الشرف أقول ويمكن أن يقال إن متعلق النذر الصوم في هذا البلد وهو طاعة فيجب الوفاء به ولا يلزم أن يكون لما يعتبره من الخصوصية أيضا مزية زايدة نعم لو كانت الخصوصية مخالفة للشرع كالصوم بعنوان الوصال لا يلزم الوفاء بها وفي وجوب الوفاء حينئذ بأصل الصوم أيضا تأمل وتردد الفاضل في المنتهى وهو في محله ولعل من يقول بعدم تعيين المكان مطلقا نظرا إلى أن أشرف المكان لا مدخل له في زيادة أجر الصوم ولا يخلو ذلك عن إشكال بل ربما أشعر بعض الاخبار بخلافه كما ورد في صيام ثلاثة أيام بالمدينة ولو نذر صوم داود (عليه السلام) وهو الصوم غبا فتابعه استأنف عند الحلبي لعدم إتيانه بمتعلق النذر على الوجه الذي تعلق به مع رجحانه ووقوع التعبد به في شرعنا وشرع من قبلنا وحكم العقل أيضا برجحانه بحسب ملاحظة حال البدن والمزاج وأمور المعاش والحكم بالاستيناف إنما يصح إن كان النذر لزمان معين العدد دون العين كان نذرا أن يصوم شهرا صوم داود (عليه السلام) فتوخى شهرا وصامه متتابعان وأما إن كان لزمان معين كان نذر أن يصوم شهر شعبان صوم داود (عليه السلام) فصام الجميع فالظاهر وجوب الكفارة والقضاء كما إذا صام يوما وأفطر يومين وكفر للخلف عند ابن إدريس فقال
(٤٨٧)