وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو حنيفة رحمة الله عليه فقالوا لا تكون الأرض تحيا إلا بأمر الإمام في ذلك لمن يحييها وجعلها له وقالوا ليس ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ذكر في هذا الباب بدافع لما قلنا لان ذلك الاحياء الذي جعل به رسول الله صلى الله عليه وسلم الأرض للذي أحياها في هذا الحديث لم يفسر لنا ما هو فقد يجوز أن يكون هو ما فعل من ذلك بأمر الإمام فيكون قوله من أحيا أرضا ميتة فهي له أي من أحياها على شرائط الاحياء فهي له ومن شرائطه تحظيرها وإذن الامام له فيها وتمليكه إياها فقد يجوز أن يكون هذا هو معنى الحديث ويجوز أن يكون على ما تأوله أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما إلا أنه لا يجوز أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقول أنه أراد معنى إلا بالتوقيف منه أو بإجماع ممن بعده أنه أراد ذلك المعنى فنظرنا إذ لم نجد في هذا الحديث حجة لأحد الفريقين في غيره من الأحاديث هل فيها ما يدل على شئ من ذلك فإذا يونس قد حدثنا قال ثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا حمى إلا لله ورسوله * (حدثنا يزيد وابن أبي داود قالا ثنا سعيد بن منصور قال ثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم البقيع وقال لا حمى إلا لله ولرسوله حدثنا ابن أبي داود قال ثنا علي بن عياش قال ثنا شعيب بن أبي جمرة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ولرسوله فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حمى إلا لله ولرسوله والحمى ما حمى من الأرض دل ذلك أن حكم الأرضين إلى الأيمة لا إلى غيرهم وأن حكم ذلك غير حكم الصيد وقد بينا ما يحتمله الأثر الأول فكان الأولى من الأشياء بنا أن نحمل وجهه على ما لا يخالف هذا الأثر الثاني وأما ما يدخل لأبي حنيفة في ذلك من جهة النظر مما يفرق به بين الأرض الموات وبين ماء الأنهار والصيد أنا رأينا الصيد وماء الأنهار لا يجوز للامام تمليك ذلك أحدا ورأيناه لو ملك رجلا أرضا ميتة ثم ملكها لرجل آخر جاز وكذلك لو احتاج الامام إلى بيعها في نائبة للمسلمين جاز بيعه لها ولا يجوز ذلك في ماء نهر ولا صيد بر ولا بحر
(٢٦٩)