فلما كان ذلك إلى الامام في الأرضين دل ذلك أن حكمها إليه وأنها في يده كسائر الأموال التي في يده للمسلمين لا رد لها بعينه ولا يملكها أحد بأخذه إياها حتى يكون الامام يملكها إياه على حسن النظر منه للمسلمين ولما كان الصيد والماء ليس إلى الامام بيعهما ولا تمليكهما أحدا كان الامام فيهما كسائر الناس وكان ملكهما يجب بأخذهما دون الامام فثبت بذلك ما ذهب إليه أبو حنيفة لما وصفنا من الآثار والدلائل التي ذكرنا فإن احتج محتج في ذلك بما حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب أن مالكا ويونس بن يزيد أخبراه عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال من أحيا أرضا ميتة فهي له وذلك أن رجالا كانوا يتحجرون من الأرض حدثنا أبو بكرة قال ثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال ثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه عن عمر مثله قيل له لا حجة لك في هذا ومعنى هذا عندنا على ما ذكرناه من معنى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له وقد روي عن عمر رضي الله عنه في غير هذا الحديث ما يدل على أن مراده في هذا الحديث هو ما ذكرناه حدثنا أبو بشر الرقي قال ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن محمد بن عبيد الله قال خرج رجل من أهل البصرة يقال له أبو عبد الله إلى عمر فقال إن بأرض البصرة أرضا لا تضر بأحد المسلمين وليست من أرض الخراج فإن شئت أن تقطعنيها أتخذها قضبا وزيتونا ونخلا في نخيلي فأفعل فكان أول من أخد الفلايا بأرض البصرة قال فكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري إن كانت حمى فأقطعها إياه أفلا ترى أن عمر لم يجعل له أخذها ولا جعل له ملكها إلا بإقطاع خليفته ذلك الرجل إياها ولولا ذلك لكان يقول له وما حاجتك إلى إقطاعي إياك لان لك أن تحييها دوني وتعمرها فتملكها فدل ذلك أن الاحياء عند عمر هو ما أذن الامام فيه للذي يتولاه وملكه إياه وقد دل ذلك أيضا ما حدثنا ابن مرزوق قال ثنا أزهر السمان عن ابن عون عن محمد قال قال عمر رضي الله عنه لنا رقاب الأرض قال أبو جعفر فدل ذلك أن رقاب الأرضين كلها إلى أيمة المسلمين وأنها لا تخرج من أيديهم إلا بإخراجهم إياها إلى ما رأوا على حسن المنظر منهم للمسلمين في عمارة بلادهم وصلاحها فهذا قول أبي حنيفة رحمة الله عليه
(٢٧٠)