ألا ترى أن رجلا لو أدعى على رجل دعوى قتلا أو غيره فسأل المدعى عليه عن ذلك فأومى برأسه أي نعم أنه لا يكون بذلك مقرا فإذا كان إيماء المدعى عليه برأسه لا يكون منه إقرارا يجب به عليه حق كان إيماء المدعي برأسه أحرى أن لا يوجب له حقا وقد حدثنا يونس قال أخبرنا بن وهب قال أخبرني بن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه فمنع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطى أحد بدعواه دما أو مالا ولم يوجب للمدعي فيه بدعواه إلا باليمين فهذا حكم هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنهم قد أجمعوا أن رجلا لو أدعى في حال موته أن له على رجل دراهم ثم مات أن ذلك غير مقبول منه وأنه في ذلك كهو في دعواه في حال الصحة فالنظر على ذلك أن يكون كذلك هو في دعواه الدم في تلك الحال كهو في دعواه ذلك في حال الصحة وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين وقد حدثنا نصر بن مرزوق قال ثنا خالد بن نزار قال أخبرنا نافع عن ابن عمر عن ابن أبي مليكة قال كنت عاملا لابن الزبير على الطائف فكتبت إلى بن عباس في امرأتين كانتا في بيت تخرزان حريرا لهما فأصابت إحداهما يد صاحبتهما بالإشفى فجرحتها فخرجت وهي تدمي وفي الحجرة حدات فقالت أصابتني فأنكرت ذلك الأخرى فكتبت في ذلك إلى بن عباس فكتب إلي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن اليمين على المدعي عليه ولو أن الناس أعطوا بدعواهم لادعي ناس من الناس دماء رجال وأموالهم فأدعها فأقرأ هذه الآية عليها إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية فقرأت عليها الآية فاعترفت قال نافع فحسبت أنه قال فبلغ ذلك بن عباس فسره أفلا ترى أن بن عباس رضي الله عنهما قد رد حكمها في ذلك إلى حكم سائر ما يدعى الناس بعضهم على بعض والله أعلم
(١٩١)