كما يجب عليه في انتهاك مال المسلم كان دمه أحرى أن يكون عليه في انتهاك حرمته من العقوبة ما يكون عليه في انتهاك حرمة دم المسلم وقد أجمعوا أن ذميا لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل أنه يقتل بالذمي الذي قتله في حال كفره ولا يبطل ذلك إسلامه فلما رأينا الاسلام الطارئ على القتل لا يبطل القتل الذي كان في حال الكفر وكانت الحدود تمامها أحدها ولا يوجد على حال لا يجب في البدء مع تلك الحال ألا ترى أن رجلا لو قتل رجلا والمقتول مرتد أنه لا يجب عليه شئ وأنه لو جرحه وهو مسلم ثم ارتد عياذا بالله فمات لم يقتل فصارت ردته التي تقدمت الجناية والتي طرأت عليها في درء القتل سواء فكان كذلك في النظر أن يكون القاتل قبل جنايته وبعد جنايته سواء ولما كان إسلامه بعد جنايته قبل أن يقتل بها لا يدفع عنه القود كان كذلك إسلامه المتقدم لجنايته لا يدفع عنه القود وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين وقد حدثنا إبراهيم بن مرزوق قال ثنا وهب قال ثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال قتل رجل من المسلمين رجلا من العباد فذهب أخوه إلى عمر فكتب عمر أن يقتل فجعلوا يقولون أقتل جبير فيقول حتى يجئ الغيظ قال فكتب عمر أن يودى ولا يقتل فهذا عمر رضي الله عنه قد رأى أيضا أن يقتل المسلم بالكافر وكتب به إلى عامله بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر فهذا عندنا منهم على المتابعة منهم له على ذلك وكتابه بعد هذا لا يقتل فيحتمل أن يكون ذلك كان منه على أنه كرة أن يبيحه دمه لما كان من وقوفه عن قتله وجعل ذلك شبهة منعه بها من القتل وجعل له ما يجعل في القتل العمد الذي تدخله شبهة وهو الدية وقد قال أهل المدينة إن المسلم إذا قتل الذمي قتل غيلة على ماله أنه يقتل به فإذا كان هذا عندهم خارجا من قول النبي صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط من الكفار أحدا فكما كان لهم أن يخرجوا من الكفار من أريد ماله كان لمخالفيهم أن يخرج أيضا من وجبت ذمته
(١٩٦)