مكة فقال في خطبته ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها قال أبو جعفر فذهب قوم إلى هذا الحديث فقالوا لا قود على من قتل رجلا بعصا أو حجر وممن قال بذلك أبو حنيفة رضي الله عنه وخالفهم في ذلك آخرون منهم أبو يوسف ومحمد رحمة الله عليهما فقالوا إذا كانت الخشبة مثلها يقتل فعلى القاتل بها القصاص وذلك عمد وإن كان مثلها لا يقتل ففي ذلك الدية وذلك شبه العمد وقالوا ليس فيما احتج به علينا أهل المقالة الأولى من قول النبي صلى الله عليه وسلم ألا إن قتيل خطأ العمد بالسوط والعصا والحجر فيه مائة من الإبل دليل على ما قالوا لأنه قد يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بذلك العصا التي لا تقتل مثلها التي هي كالسوط الذي لا يقتل مثله فإن كان أراد ذلك فهو الذي قلنا وإن لم يكن أراد ذلك وأراد ما قلتم أنتم فقد تركنا الحديث وخالفناه فنحن بعد لم نثبت خلافنا لهذا الحديث إذ كنا نقول إن من العصا ما إذا قتل به لم يجب به على القاتل قود وهذا المعنى الذي حملنا عليه معنى هذا الحديث أولى مما حمله عليه أهل المقالة الأولى لان ما حملناه عليه لا يضاد حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في إيجابه القود على اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بحجر وما حمله عليه أهل المقالة الأولى يضاد ذلك وينفيه ولان يحمل الحديث على ما يوافق بعضه بعضا أولى على ما يضاد بعضه بعضا فإن قال قائل فأنت قد قلت إن حديث أنس رضي الله عنه منسوخ في الباب الأول فكيف أثبت العمل به ههنا قيل له لم نقل إن حديث أنس رضي الله عنه هذا منسوخ من جهة ما ذكرت وقد ثبت وجوب القود والقتل بالحجر في حديث أنس وإنما قلت إن القصاص بالحجر قد يجوز أن يكون منسوخا لما قد ذكرت من الحجة في ذلك فحديث أنس رضي الله عنه في إيجاب القود عندنا غير منسوخ وفي كيفية القود الواجب قد يحتمل أن يكون منسوخا على ما فسرنا وبينا في الباب الذي قبل هذا الباب فكان من الحجة للذين قالوا إن القتل بالحجر لا يوجب القود في دفع حديث أنس رضي الله عنه
(١٨٦)