في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أو لا، فإن لم يعتقده فهو مشرك، وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان، ثم صرح بتحريمه فقال: (وحرم ذلك على المؤمنين) وأما جعل الإشارة في قوله: (وحرم ذلك) إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها إلا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القران. ولا يعارض ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي قبله فإنه في الاستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية في ابتداء النكاح، فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية. وقد عرفت أنه أريد بقوله: لا تمنع يد لامس. غير الزنا أيضا وعلى هذا معارضة أصلا.
قال المنذري: وللعلماء في الآية خمسة أقوال أحدها أنها منسوخة، قاله سعيد ابن المسيب. وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد بن المسيب إن شاء الله أنها منسوخة. وقال غيره الناسخ لها: (وأنكحوا الأيامى منكم) فدخلت الزانية في أيامى المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها.
والثاني أن النكاح ههنا الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا. وتمام الفائدة في قوله سبحانه: (وحرم ذلك على المؤمنين) يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي. والثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذا الزانية. والرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا، واحتج بأن الآية نزلت في ذلك. والخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف، والعفيفة على الزاني. والله أعلم انتهى. والحديث أخرجه الترمذي والنسائي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله) قال العلامة محمد بن إسماعيل الأمير في سبل السلام: في الحديث دليل على أنه يحرم على المرأة أن تزوج بمن ظهر زناه، ولعل الوصف بالمجلود بناء على الأغلب في حق من ظهر منه الزنا. وكذلك الرجل يحرم عليه أن يتزوج