وقال شيخ الاسلام ابن تيمية: الحديث يشير إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم عنه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدا انتهى.
والحديث دليل على منع السفر لزيارته صلى الله عليه وسلم لأن المقصود منها هو الصلاة والسلام عليه والدعاء له صلى الله عليه وسلم، وهذا يمكن استحصاله من بعد كما يمكن من قرب، وأن من سافر إليه وحضر من ناس آخرين فقد اتخذه عيدا وهو منهي عنه بنص الحديث، فثبت منع شد الرحل لأجل ذلك بإشارة النص، كما ثبت النهي عن جعله عيدا بدلالة النص، وهاتان الدلالتان معمول بهما عند علماء الأصول، ووجه هذه الدلالة على المراد قوله: تبلغني حيث كنتم فإنه يشير إلى البعد، والبعيد عنه صلى الله عليه وسلم لا يحصل له القرب إلا باختيار السفر إليه، والسفر يصدق على أقل مسافة من يوم فكيف بمسافة بعيدة، ففيه النهي عن السفر لأجل الزيارة والله أعلم. والحديث حسن جيد الإسناد وله شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الصحة. قاله الشيخ العلامة محمد بن عبد الهادي رحمه الله.
وقال في فتح المجيد شرح كتاب التوحيد: رواته مشاهير لكن قال أبو حاتم الرازي: فيه عبد الله بن نافع ليس بالحافظ نعرف وننكر. وقال ابن معين: هو ثقة، وقال أبو زرعة: لا بأس به.
قال الشيخ ابن تيمية: ومثل هذا إذا كان لحديثه شواهد علم أنه محفوظ، وهذا له شواهد متعددة انتهى ومن شواهده الصادقة ما روى عن علي بن الحسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال ألا أحدثكم حديثا سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم)) رواه الضياء في المختارة وأبو يعلى والقاضي إسماعيل.
وقال سعيد بن منصور في سننه: حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهل بن سهيل قال رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى فقال هلم إلى العشاء، فقلت لا أريده، فقال ما لي رأيتك عند القبر؟ فقلت سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال إذا دخلت المسجد فسلم ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تتخذوا قبري عيدا ولا تتخذوا بيوتكم مقابر وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء)).
قال سعيد بن منصور أيضا بسنده عن أبي سعيد مولى المهري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((لا تتخذوا قبري عيدا، ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني.