بل هو موجود عندهم بكثرة وانما النزاع هل حرفت الألفاظ أو لا وقد وجد في الكتابين ما لا يجوز ان يكون بهذه الألفاظ من عند الله عز وجل أصلا وقد سرد أبو محمد بن حزم في كتابه الفصل في الملل والنحل أشياء كثيرة من هذا الجنس من ذلك أنه ذكر أن في أول فصل في أول ورقة من توراة اليهود التي عند رهبانهم وقرائهم وعاناتهم وعيسويهم حيث كانوا في المشارق والمغارب لا يختلفون فيها على صفة واحدة لو رام أحد ان يزيد فيها لفظة أو ينقص منها لفظة لافتضح عندهم متفقا عليها عندهم إلى الأحبار الهارونية الذين كانوا قبل الخراب الثاني يذكرون انها مبلغة من أولئك إلى عزرا الهاروني وان الله تعالى قال لما أكل آدم من الشجرة هذا آدم قد صار كواحد منا في معرفة الخير والشر وأن السحرة عملوا لفرعون نظير ما أرسل عليهم من الدم والضفادع وأنهم عجزوا عن البعوض وان ابنتي لوط بعد هلاك قومه ضاجعت كل منهما أباها بعد أن سقته الخمر فوطئ كلا منهما فحملتا منه إلى غير ذلك من الأمور المنكرة المستبشعة وذكر في مواضع أخرى أن التبديل وقع فيها إلى أن أعدمت فأملاها عزرا المذكور على ما هي عليه الآن ثم ساق أشياء من نص التوراة التي بأيديهم الآن الكذب فيها ظاهر جدا ثم قال وبلغنا عن قوم من المسلمين ينكرون ان التوراة والإنجيل اللتين بأيدي اليهود والنصارى محرفان والحامل لهم على ذلك قلة مبالاتهم بنصوص القرآن والسنة وقد اشتملا على أنهم يحرفون الكلم عن مواضعه ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويلبسون الحق بالباطل ويكتمون الحق وهم يعلمون ويقال لهؤلاء المنكرين قد قال الله تعالى في صفة الصحابة ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه إلى آخر السورة وليس بأيدي اليهود والنصارى شئ من هذا ويقال لمن ادعى ان نقلهم نقل متواتر قد اتفقوا على أن لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم في الكتابين فان صدقتموهم فيما بأيديهم لكونه نقل نقل المتواتر فصدقوهم فيما زعموه ان لا ذكر لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا لأصحابه والا فلا يجوز تصديق بعض وتكذيب بعض مع مجيئهما مجيئا واحدا انتهى كلامه وفيه فوائد وقال الشيخ بدر الدين الزركشي اغتر بعض المتأخرين بهذا يعني بما قال البخاري فقال إن في تحريف التوراة خلافا هل هو في اللفظ والمعنى أو في المعنى فقط ومال إلى الثاني ورأى جواز مطالعتها وهو قول باطل ولا خلاف أنهم حرفوا وبدلوا والاشتغال بنظرها وكتابتها لا يجوز بالاجماع وقد غضب صلى الله عليه وسلم حين رأى مع عمر صحيفة فيها شئ من التوراة وقال لو كان موسى حيا ما وسعه الا اتباعي ولولا أنه معصية ما غضب فيه (قلت) إن ثبت الاجماع فلا كلام فيه وقد قيده بالاشتغال بكتابتها ونظرها فان أراد من يتشاغل بذلك دون غيره فلا يحصل المطلوب لأنه يفهم أنه لو تشاغل بذلك مع تشاغله بغيره جاز وان أراد مطلق التشاغل فهو محل النظر وفي وصفه القول المذكور بالبطلان مع ما تقدم نظر أيضا فقد نسب لوهب بن منبه وهو من أعلم الناس بالتوراة ونسب أيضا لابن عباس ترجمان القرآن وكان ينبغي له ترك الدفع بالصدر والتشاغل برد أدلة المخالف التي حكيتها وفي استدلاله على عدم الجواز الذي ادعى الاجماع فيه بقصة عمر نظر أيضا سأذكره بعد تخريج الحديث المذكور وقد أخرجه أحمد والبزار واللفظ له من حديث جابر قال نسخ عمر كتابا من التوراة بالعربية فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقرأ ووجه رسول الله صلى الله عليه
(٤٣٧)