ولا يلزم من حدوثها تغير في ذات الله ولا في صفاته الوجودية كما أن تعلق العلم وتعلق القدرة بالمعلومات والمقدورات حادث وكذا جميع الصفات الفعلية فإذا تقرر ذلك فالانزال حادث والمنزل قديم وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة فالمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث وأما ما نقله ابن بطال عن المهلب ففيه نظر لان البخاري لا يقصد ذلك ولا يرضى بما نسب إليه إذ لا فرق بين مخلوق وحادث لا عقلا ولا نقلا ولا عرفا وقال ابن المنير قيل ويحتمل أن يكون مراده حمل لفظ محدث على الحديث فمعنى ذكر محدث أي متحدث به وأخرج ابن أبي حاتم من طريق هشام بن عبيد الله الرازي أن رجلا من الجهمية احتج لزعمه أن القرآن مخلوق بهذه الآية فقال له هشام محدث إلينا محدث إلى العباد وعن أحمد بن إبراهيم الدورقي نحوه ومن طريق نعيم بن حماد قال محدث عند الخلق لا عند الله قال وانما المراد انه محدث عند النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه بعد أن كان لا يعلمه واما الله سبحانه فلم يزل عالما وقال في موضع آخر كلام الله ليس بمحدث لأنه لم يزل متكلما لا انه كان لا يتكلم حتى أحدث كلاما لنفسه فمن زعم ذلك فقد شبه الله بخلقه لان الخلق كانوا لا يتكلمون حتى أحدث لهم كلاما فتكلموا به وقال الراغب المحدث ما أوجد بعد أن لم يكن وذلك اما في ذاته أو احداثه عند من حصل عنده ويقال لكل ما قرب عهده حدث فعالا كان أو مقالا وقال غيره في قوله تعالى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وفي قوله لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا المعنى يحدث عندهم ما لم يكن يعلمونه فهو نظير الآية الأولى وقد نقل الهروي في الفاروق بسنده إلى حرب الكرماني سألت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يعني ابن راهويه عن قوله تعالى ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث قال قديم من رب العزة محدث إلى الأرض فهذا هو سلف البخاري في ذلك وقال ابن التين احتج من قال بخلق القرآن بهذه الآية قالوا والمحدث هو المخلوق والجواب ان لفظ الذكر في القرآن يتصرف على وجوه الذكر بمعنى العلم ومنه فاسألوا أهل الذكر والذكر بمعنى العظة ومنه ص والقرآن ذي الذكر والذكر بمعنى الصلاة ومنه فاسعوا إلى ذكر الله والذكر بمعنى الشرف ومنه وانه لذكر لك ولقومك ورفعنا لك ذكرك قال فإذا كان الذكر يتصرف إلى هذه الأوجه وهي كلها محدثة كان حمله على إحداها أولى ولأنه لم يقل ما يأتيهم من ذكر من ربهم الا كان محدثا ونحن لا ننكر ان يكون من الذكر ما هو محدث كما قلنا وقيل محدث عندهم ومن زائدة للتوكيد وقال الداودي الذكر في هذه الآية هو القرآن وهو محدث عندنا وهو من صفاته تعالى ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته قال ابن التين وهذا منه أي من الداودي عظيم واستدلاله يرد عليه فإنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم فكيف تكون صفته محدثه وهو لم يزل الا ان يريد أن المحدث غير المخلوق كما يقول البلخي ومن تبعه وهو ظاهر كلام البخاري حيث قال وان حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فأثبت انه محدث انتهى وما استعظمه من كلام الداودي هو بحسب ما تخيله والا فالذي يظهر ان مراد الداودي أن القرآن هو الكلام القديم الذي هو من صفات الله تعالى وهو غير محدث وانما يطلق الحدث بالنسبة إلى انزاله إلى المكلفين وبالنسبة إلى قراءتهم له واقرائهم غيرهم ونحو ذلك وقد أعاد الداودي نحو هذا في شرح قول عائشة ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى قال الداودي فيه أن الله تكلم ببراءة عائشة حين أنزل براءتها بخلاف قول بعض الناس انه لم يتكلم
(٤١٥)