ان محمدا كتم شيئا وأحلت بشرحه على كتاب التوحيد وسأذكره إن شاء الله تعالى في باب يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك ونقل ابن التين عن الداودي قال قوله في هذا الطريق من حدثك ان محمدا يعلم الغيب ما أظنه محفوظا وما أحد يدعي ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم من الغيب الا ما علم انتهى وليس في الطريق المذكورة هنا التصريح بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وانما وقع فيه بلفظ من حدثك انه يعلم وأظنه بنى على أن الضمير في قول عائشة من حدثك انه لمحمد صلى الله عليه وسلم لتقدم ذكره في الذي قبله حيث قالت من حدثك ان محمدا رأى ربه ثم قالت من حدثك انه يعلم ما في غد ويعكر عليه انه وقع في رواية إبراهيم النخعي عن مسروق عن عائشة قالت ثلاث من قال واحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية من زعم أنه يعلم ما في غد الحديث أخرجه النسائي وظاهر هذا السياق ان الضمير للزاعم ولكن ورد التصريح بأنه لمحمد صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن خزيمة وابن حبان من طريق عبد ربه بن سعيد عن داود بن أبي هند عن الشعبي بلفظ أعظم الفرية على الله من قال إن محمدا رأى ربه وأن محمدا كتم شيئا من الوحي وأن محمدا يعلم ما في غد وهو عند مسلم من طريق إسماعيل بن إبراهيم عن داود وسياقه أتم ولكن قال فيه ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد هكذا بالضمير كما في رواية إسماعيل معطوفا على من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئا وما ادعاه من النفي متعقب فان بعض من لم يرسخ في الايمان كان يظن ذلك حتى كان يرى أن صحة النبوة تستلزم اطلاع النبي صلى الله عليه وسلم على جميع المغيبات كما وقع في المغازي لابن إسحاق ان ناقة النبي صلى الله عليه وسلم ضلت فقال زيد بن اللصيت بصاد مهملة وآخره مثناة وزن عظيم يزعم محمد أنه نبي ويخبركم عن خبر السماء وهو لا يدري أين ناقته فقال النبي صلى الله عليه وسلم ان رجلا يقول كذا وكذا واني والله لا أعلم الا ما علمني الله وقد دلني الله عليها وهي في شعب كذا قد حبستها شجرة فذهبوا فجاءوه بها فاعلم النبي صلى الله عليه وسلم انه لا يعلم من الغيب الا ما علمه الله وهو مطابق لقوله تعالى فلا يظهر على غيبه أحدا الا من ارتضى من رسول الآية وقد اختلف في المراد بالغيب فيها فقيل هو على عمومه وقيل ما يتعلق بالوحي خاصة وقيل ما يتعلق بعلم الساعة وهو ضعيف لما تقدم في تفسير لقمان ان علم الساعة مما استأثر بعلمه الا ان ذهب قائل ذلك إلى أن الاستثناء منقطع وقد تقدم ما يتعلق بالغيب هناك قال الزمخشري في هذه الآية ابطال الكرامات لان الذين يضاف إليهم وان كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضعين بالاطلاع على الغيب وتعقب بما تقدم وقال الامام فخر الدين قوله على غيبه لفظ مفرد وليس فيه صيغة عموم فيصح ان يقال إن الله لا يظهر على غيب واحد من غيوبه أحدا الا الرسل فيحمل على وقت وقوع القيامة ويقويه ذكرها عقب قوله أقريب ما توعدون وتعقب بأن الرسل لم يظهروا على ذلك وقال أيضا يجوز ان يكون الاستثناء منقطعا أي لا يظهر على غيبه المخصوص أحدا لكن من ارتضى من رسول فإنه يجعل له حفظه وقال القاضي البيضاوي يخصص الرسول بالملك في اطلاعه على الغيب والأولياء يقع لهم ذلك بالالهام وقال ابن المنير دعوى الزمخشري عامة ودليله خاص فالدعوة امتناع الكرامات كلها والدليل يحتمل ان يقال ليس فيه الا نفي الاطلاع على الغيب بخلاف سائر الكرمات انتهى وتمامه ان يقال المراد بالاطلاع على الغيب علم ما سيقع قبل ان يقع على
(٣٠٨)