نفسك ويعلم ما ستعمل غدا (قوله قال يحيى الظاهر على كل شئ علما والباطن على كل شئ علما) يحيى هذا هو ابن زياد الفراء النحوي المشهور ذكر ذلك في كتاب معاني القرآن له وقال غيره معنى الظاهر الباطن العالم بظواهر الأشياء وبواطنها وقيل الظاهر بالأدلة الباطن بذاته وقيل الظاهر بالعقل الباطن بالحس وقيل معنى الظاهر العالي على كل شئ لان من غلب على شئ ظهر عليه وعلاه والباطن الذي بطن في كل شئ أي علم باطنه وشمل قوله أي كل شئ علم ما كان وما سيكون على سبيل الاجمال والتفصيل لان خالق المخلوقات كلها بالاختيار متصف بالعلم بهم والاقتدار عليهم اما أولا فلان الاختيار مشروط بالعلم ولا يوجد المشروط دون شرطه واما ثانيا فلان المختار للشئ لو كان غير قادر عليه لتعذر مراده وقد وجدت بغير تعذر فدل على أنه قادر على ايجادها وإذا تقرر ذلك لم يتخصص علمه في تعلقه بمعلوم دون معلوم لوجوب قدمه المنافي لقبول التخصيص فثبت انه يعلم الكليات لأنها معلومات والجزئيات لأنها معلومات أيضا ولأنه مريد لإيجاد الجزئيات والإرادة للشئ المعين اثباتا ونفيا مشروطة بالعلم بذلك المراد الجزئي فيعلم المرئيات للرائين ورؤيتهم لها على الوجه الخاص وكذا المسموعات وسائر المدركات لما علم ضرورة من وجوب الكمال له وأضداد هذه الصفات نقص والنقص ممتنع عليه سبحانه وتعالى وهذا القدر كاف من الأدلة العقلية وضل من زعم من الفلاسفة انه سبحانه وتعالى يعلم الجزئيات على الوجه الكلي لا الجزئي واحتجوا بأمور فاسدة منها ان ذلك يؤدي إلى محال وهو تغير العلم فان الجزئيات زمانية تتغير بتغير الزمان والأحوال والعلم تابع للمعلومات في الثبات والتغير فيلزم تغير علمه والعلم قائم بذاته فتكون محلا للحوادث وهو محال والجواب ان التغير انما وقع في الحوال الإضافية وهذا مثل رجل قام عن يمين الأسطوانة ثم عن يسارها ثم امامها ثم خلفها فالرجل هو الذي يتغير والأسطوانة بحالها فالله سبحانه وتعالى عالم بما كنا عليه أمس وبما نحن عليه الآن وبما نكون عليه غدا وليس هذا خبرا عن تغير علمه بل التغير جار على أحوالنا وهو عالم في جميع الأحوال على حد واحد واما السمعية فالقرآن العظيم طافح بما ذكرنا مثل قوله تعالى أحاط بكل شئ علما وقال لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر وقال تعالى إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع الا بعلمه وقوله تعالى وعنده مفاتيح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين ولهذه النكتة اورد المصنف حديث ابن عمر في مفاتيح الغيب وقد تقدم شرحه في كتاب التفسير ثم ذكر حديث عائشة مختصرا وقوله فيه ومن حدثك انه يعلم الغيب فقد كذب وهو يقول لا يعلم الغيب الا الله كذا وقع في هذه الرواية عن ومحمد بن يوسف وهو الفريابي عن سفيان وهو الثوري عن إسماعيل وهو ابن أبي خالد وقد تقدم في تفسير سورة النجم من طريق وكيع عن إسماعيل بلفظ ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وذكر هذه الآية أنسب في الباب لموافقته حديث ابن عمر الذي قبله لكنه جرى على عادته التي أكثر منها من اختيار الإشارة على صريح العبارة وتقدم شرح ما يتعلق بالرؤية في تفسير سورة النجم وما يتعلق بعلم الغيب في تفسير سورة لقمان وتقدم في تفسير سورة المائدة بهذا السند من حدثك
(٣٠٧)