على الله حجة بعد الرسل وغير ذلك من الآيات فمن زعم أن دعوة رسل الله عليهم الصلاة والسلام انما كانت لبيان الفروع لزمه ان يجعل العقل هو الداعي إلى الله دون الرسول ويلزمه ان وجود الرسول وعدمه بالنسبة إلى الدعاء إلى الله سواء وكفى بهذا ضلالا ونحن لا ننكر ان العقل يرشد إلى التوحيد وانما ننكر انه يستقل بايجاب ذلك حتى لا يصح إسلام الا بطريقه مع قطع النظر عن السمعيات لكون ذلك خلاف ما دلت عليه آيات الكتاب والأحاديث الصحيحة التي تواترت ولو بالطريق المعنوي ولو كان كما يقول أولئك لبطلت السمعيات التي لا مجال للعقل فيها أو أكثرها بل يجب الايمان بما ثبت من السمعيات فان عقلناه فبتوفيق الله والا اكتفينا باعتقاد حقيته على وفق مراد الله سبحانه وتعالى انتهى ويؤيد كلامه ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس ان رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك الله آلله أرسلك ان نشهد ان لا إله إلا الله وان ندع اللات والعزى قال نعم فأسلم واصله في الصحيحين في قصة ضمام بن ثعلبة وفي حديث عمرو بن عبسة عند مسلم انه اتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال ما أنت قال نبي الله قلت آلله أرسلك قال نعم قلت بأي شئ قال أوحد الله لا أشرك به شيئا الحديث وفي حديث أسامة بن زيد في قصة قتله الذي قال لا إله إلا الله فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وحديث المقداد في معناه وقد تقدما في كتاب الديات وفي كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك يدعوهم إلى التوحيد إلى غير ذلك من الأخبار المتواترة التواتر المعنوي الدال على أنه صلى الله عليه وسلم لم يزد في دعائه المشركين على أن يؤمنوا بالله وحده ويصدقوه فيما جاء به عنه فمن فعل ذلك قبل منه سواء كان اذعانه عن تقدم نظر أم لا ومن توقف منهم نبهه حينئذ على النظر أو أقام عليه الحجة إلى أن يذعن أو يستمر على عناده وقال البيهقي في كتاب الاعتقاد سلك بعض أئمتنا في اثبات الصانع وحدوث العالم طريق الاستدلال بمعجزات الرسالة فإنها أصل في وجوب قبول ما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم وعلى هذا الوجه وقع ايمان الذين استجابوا للرسل ثم ذكر قصة النجاشي وقول جعفر بن أبي طالب له بعث الله إلينا رسولا نعرف صدقه فدعانا إلى الله وتلا علينا تنزيلا من الله لا يشبهه شئ فصدقناه وعرفنا ان الذي جاء به الحق الحديث بطوله وقد أخرجه ابن خزيمة في كتاب الزكاة من صحيحه من رواية ابن إسحاق وحاله معروفة وحديثه في درجة الحسن قال البيهقي فاستدلوا باعجاز القرآن على صدق النبي فآمنوا بما جاء به من اثبات الصانع ووحدانيته وحدوث العالم وغير ذلك مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن وغيره واكتفاء غالب من أسلم بمثل ذلك مشهور في الاخبار فوجب تصديقه في كل شئ ثبت عنه بطريق السمع ولا يكون ذلك تقليدا بل هو اتباع والله أعلم وقد استدل من اشترط النظر بالآيات والأحاديث الواردة في ذلك ولا حجة فيها لان من لم يشترط النظر لم ينكر أصل النظر وانما أنكر توقف الايمان على وجود النظر بالطرق الكلامية إذ لا يلزم من الترغيب في النظر جعله شرطا واستدل بعضهم بأن التقليد لا يفيد العلم إذ لو افاده لكان العلم حاصلا لمن قلد في قدم العالم ولمن قلد في حدوثه وهو محال لافضائه إلى الجمع بين النقيضين وهذا انما يتأتى في تقليد غير النبي صلى الله عليه وسلم واما تقليده صلى الله عليه وسلم فيما أخبر به عن ربه فلا يتناقض أصلا واعتذر بعضهم عن اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة بإسلام من أسلم من الاعراب من غير نظر بأن ذلك كان لضرورة المبادئ واما بعد تقرر الاسلام
(٢٩٨)