التعريف عن ضرورة أو استدلال وتعريف العلم انتهى عند قوله عليه فان أبوا الا الزيادة فليزدادوا عن تيسير الله له ذلك وخلقه ذلك المعتقد في قلبه والا فالذي زادوه وهو محل النزاع فلا دلالة فيه وبالله التوفيق وقال أبو المظفر بن السمعاني تعقب بعض أهل الكلام قول من قال إن السلف من الصحابة والتابعين لم يعتنوا بإيراد دلائل العقل في التوحيد بأنهم لم يشتغلوا بالتعريفات في احكام الحوادث وقد قبل الفقهاء ذلك واستحسنوه فدونوه في كتبهم فكذلك علم الكلام ويمتاز علم الكلام بأنه يتضمن الرد على الملحدين وأهل الأهواء وبه تزول الشبهة عن أهل الزيغ ويثبت اليقين لأهل الحق وقد علم الكل ان الكتاب لم تعلم حقيته والنبي لم يثبت صدقه الا بأدلة العقل وأجاب اما أولا فان الشارع والسلف الصالح نهوا عن الابتداع وأمروا بالاتباع وصح عن السلف انهم نهوا عن علم الكلام وعدوه ذريعة للشك والارتياب واما الفروع فلم يثبت عن أحد منهم النهي عنها الا من ترك النص الصحيح وقدم عليه القياس وأما من اتبع النص وقاس عليه فلا يحفظ عن أحد من أئمة السلف إنكار ذلك لان الحوادث في المعاملات لا تنقضى وبالناس حاجة إلى معرفة الحكم فمن ثم تواردوا على استحباب الاشتغال بذلك بخلاف علم الكلام واما ثانيا فان الدين كمل لقوله تعالى اليوم أكملت لكم دينكم فإذا كان اكمله وأتمه وتلقاه الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقده من تلقى عنهم واطمأنت به نفوسهم فأي حاجة بهم إلى تحكيم العقول والرجوع إلى قضاياها وجعلها أصلا والنصوص الصحيحة الصريحة تعرض عليها فتارة يعمل بمضمونها وتارة تحرف عن مواضعها لتوافق العقول وإذا كان الدين قد كمل فلا تكون الزيادة فيه الا نقصانا في المعنى مثل زيادة أصبع في اليد فأنها تنقص قيمة العبد الذي يقع به ذلك وقد توسط بعض المتكلمين فقال لا يكفي التقليد بل لا بد من دليل ينشرح به الصدر وتحصل به الطمأنينة العلمية ولا يشترط ان يكون بطريق الصناعة الكلامية بل يكفي في حق كل أحد بحسب ما يقتضيه فهمه انتهى والذي تقدم ذكره من تقليد النصوص كاف في هذا القدر وقال بعضهم المطلوب من كل أحد التصديق الجزمي الذي لا ريب معه بوجود الله تعالى والايمان برسله وبما جاؤوا به كيفما حصل وبأي طريق إليه يوصل ولو كان عن تقليد محض إذا سلم من التزلزل قال القرطبي هذا الذي عليه أئمة الفتوى ومن قبلهم من أئمة السلف واحتج بعضهم بما تقدم من القول في أصل الفطرة وبما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم الصحابة انهم حكموا بإسلام من أسلم من جفاة العرب ممن كان يعبد الأوثان فقبلوا منهم الاقرار بالشهادتين والتزام أحكام الاسلام من غير الزام بتعلم الأدلة وإن كان كثير منهم انما أسلم لوجود دليل ما فأسلم بسبب وضوحه له فالكثير منهم قد أسلموا طوعا من غير تقدم استدلال بل بمجرد ما كان عندهم من أخبار أهل الكتاب بأن نبيا سيبعث وينتصر على من خالفه فلما ظهرت لهم العلامات في محمد صلى الله عليه وسلم بادروا إلى الاسلام وصدقوه في كل شئ قاله ودعاهم إليه من الصلاة والزكاة وغيرهما وكثير منهم كان يؤذن له في الرجوع إلى معاشه من رعاية الغنم وغيرها وكانت أنوار النبوة وبركاتها تشملهم فلا يزالون يزدادون ايمانا ويقينا وقال أبو المظفر بن السمعاني أيضا ما ملخصه ان العقل لا يوجب شيئا ولا يحرم شيئا ولاحظ له في شئ من ذلك ولو لم يرد الشرع بحكم ما وجب على أحد شئ لقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا وقوله لئلا يكون للناس
(٢٩٧)